صرخات واستغاثات وأصداء أصوات الضحايا والمصابين لا تزال عالقة هنا في قرية «الصوامعة غرب»، فالحزن الدفين يخيم على مشاهد عربات القطار المقلوبة التي لطخ بعضها بالدماء، فالأحذية المتناثرة والملابس الممزقة تحت عجلات القطار وبقايا الأطعمة ولعب الأطفال المحطمة بطول شريط السكة الحديد، تنبئ عن حادث أليم أصاب ركاب قطار سوهاج الذين تحولت رحلتهم إلى مأساة. داخل العربات المنكوبة كانت الأوضاع أكثر بشاعة، جميع المقاعد محطمة ورائحة الدماء تزكم الأنوف وحقائب الأمتعة رحل أصحابها قبل الوصول إلى محبيهم وأصبحت أحلامهم حبيسة الأكفان، وذلك بعدما اصطدم أحد القطارات القادمة من محافظة الأقصر بآخر تعطل وتوقفت حركته، لتتناثر جثث وأشلاء الضحايا بطول شريط السكة الحديد ويهرع سكان القرية الريفية إلى البدء في عمليات الإنقاذ التي استمرت لنحو 4 ساعات.
24 ساعة مرّت على الحادث الأليم الذي شهدته القرية الصغيرة، فبدلاً من استمتاع الأطفال بمشهد القطار وهو يطوي الأرض ويقطع المساحات الزراعية التي يمر بمنتصفها، تحولت الدقائق التي سبقت صلاة الجمعة إلى صراخ وعويل عقب انطلاق صوت انفجار ضخم صمّ الآذان ليهرول جميع قاطني القرية إلى خارج المساجد ويصطدموا بالفاجعة التي أفقدت الأطفال والنساء صوابهم قبل أن يبدأوا بمساعدة الشباب في عمليات الإنقاذ عن طريق إمداد المصابين بالمياه والإسعافات الأولية لحين تمكن عربات الإسعاف من الوصول. يقول السكان إنّ تلك الحادثة هي الأولى من نوعها التي تشهدها القرية الهادئة: «المنظر كان مرعب ومفزع ماكناش عارفين نتصرف ازاي، عمرنا ماشوفنا كده غير في الأفلام»، يروي أحد شهود العيان على الحادث والذي كان من أوائل المنقذين الذي حمل على كتفه أجساد مصابين تارة وبين كفيه أجزاء مبتورة من أحد الضحايا. لم يكن ذلك المشهد المفزع هو الوحيد الذي رواه المنقذون من الأهالي، حيث يقول محمد عاطف، أحد شباب القرية الذين غامروا بأنفسهم بالنزول إلى «الترعة» التي شهدت الحادث، وذلك خلال الدقائق الأولى لوقوعه: «كان لسه الدخان طالع من القطارين والركام عمال بينزل علينا وقررنا نعوم في الميه عشان نعدي الناحية التانية ونلحق الناس»، وبصوت حزين يقول الشاب: «أول ما وصلت وطلعت لقيت راجل مكفي على وشه، لسه بعدله عشان أشوف إصابته إيه لقيته أب وحاضن ابنه الطفل اللي مايعديش ال6سنين والاتنين ميتين ودمهم مغرق الأرض». حادث التصادم الذي أفزع أهالي القرية جعل الجميع في حالة تأهب عند سماع صافرة الإنذار والتي تنبئ بمرور قطار فوق القضبان الحديدة: «بقينا بنخاف من الصوت ده ومجرد مابنسمع الصفارة بنخبي عيالنا بعيد عن القطر، أطفالنا شافوا الناس وهي بتموت ومابقوش بيوقفوا يشاورا للركاب ويضحكوا، الناس كلها حزينة».