يُتعبه المرض، يُجبره على السفر إلى النمسا طلباً للعلاج، من هناك يتابع البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الوضع جيداً فى مصر، إلى أذنيه تصل أصداء المعركة الدائرة بين وزير الأوقاف والمتنطعين على الدعوة، يحاولون القفز على منابر المساجد ويحاول الوزير منعهم، الوضع بالنسبة إليه مختلف، ليس فقط لأن مكانته على رأس الكنيسة الأرثوذكسية تعطيه الحق فى الهيمنة على كل الكنائس التابعة لكنيسته الأم ولمن يرشدون الناس فيها، ولكن لأن وضعية الكنيسة لا تسمح لأى دخيل بالتسلل إليها، ومخاطبة الناس بداخلها، غير أنه لم يتوانَ بعد عودته من رحلته العلاجية عن تلبية دعوة رئيس الجمهورية الذى دعاه وعدداً من ممثلى الطوائف المسيحية المختلفة للقائه، وتحدث خلال اللقاء عن أهمية تصويب الخطاب الدينى، لا سيما فى ضوء خطورة استغلال الدين كسلاح لجذب العناصر التى يمكن استقطابها إلى الجماعات المتطرفة، وهو الأمر الذى يتنافى مع قدسية وسماحة الأديان. على أن لقاء البابا تواضروس برئيس الجمهورية لم يكن هو أول لقاءاته الرسمية عقب عودته من رحلته العلاجية، فقد سبقته زيارة أخرى قام بها إلى مكتب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ليهنّئه بحلول عيد الفطر المبارك، وهى الزيارة التى استقبلها شيخ الأزهر بكل ترحاب وتقدير. بابا الكنيسة القبطية، ابن الاثنين والستين عاماً، رقم 118 فى تاريخ البطاركة، اسمه الأصلى قبل الرهبنة «وجيه صبحى باقى سليمان»، يحث المصلين فى عظاته الأسبوعية ولقاءاته الدورية على الحب والتسامح والعفو عن المعتدين، احتوى كل أزمات الصراع الطائفى فى القاهرة الكبرى والصعيد بعقلانية وهدوء يُحسد عليه، صيدلانى تخرج فى كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية عام 1975، ثم حصل على زمالة هيئة الصحة العالمية بإنجلترا فى 1985، وعمل مديراً لمصنع أدوية بدمنهور تابع لوزارة الصحة قبل الرهبنة. ولأنه صيدلانى فهو يصنع من السم ترياق حياة، وبالفعل استطاع نزع السم من جسد الوطن المنهك بعد ثورة 25 يناير. على درب أسلافه سار البابا تواضروس الثانى المولود فى مدينة المنصورة عام 1952، ضارباً المثل على الوطنية، منتقداً أقباط المهجر تارة، وهادئاً أمام تهديدات الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة تارة أخرى، قبل أن يبارك خريطة الطريق بعد ثورة 30 يونيو، معلقاً على تهديداتهم بحرق الكنائس بقوله «للحرية ثمن غالٍ، وحرق الكنائس جزء من هذا الثمن نقدمه لبلادنا بصبر وحب». رفض بابا الكنيسة الأرثوذكسية محاولات الغرب المستمرة فى إنطاقه بما لا يريد، وأعطى الوفود التى توافدت إلى مقره بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية درساً فى الوطنية، حاول بكل ما يملك أن يساند الواقع المصرى، بذكر تاريخ مصر العريق، وذكر الكتاب المقدس لمصر وأنها محفوظة فى يد الله دائماً، ويرد على من يتحدث عن اضطهاد الأقباط بالحديث عن مصر الجميلة وعن اللحمة الوطنية.