مؤلف «السياسة الثقافية في عهد ثروت عكاشة»: إنجازاته تشهد بعبقرية فريدة

«مهمتك تمهيد المناخ الثقافي لإعادة صياغة الوجدان الوطني والقومي والأخلاقي.. وبناء الإنسان أصعب جدا من بناء المصانع»، كلمات حاسمة، حازمة، وجهها الرئيس جمال عبدالناصر، إلى الدكتور ثروت عكاشة، في لقاء عاصف امتد ساعات طويلة، حينما وقع اختيار الزعيم عليه، لكي يتولى أول وزارة للثقافة في مصر، والأخير كان مترددا، قبل أن يقتنع ويحقق نجاحات متتالية في ملف قوة مصر الناعمة.
ثروت عكاشة وزيرًا
وقال محمد سيد ريان الكاتب والباحث في مجال التاريخ الثقافي، ومؤلف كتاب «السياسة الثقافية في عهد ثروت عكاشة» في هذا الصدد، يعد الدكتور ثروت عكاشة، أمهر وأشهر من تولى أمر وزارة الثقافة، وإنجازاته تشهد بعبقريته المتفردة، تعد الفترات التي عين فيها وزيرا للثقافة، سواء في الوزارة الأولى «1958- 1962»، أو حين جاء مرة أخرى كنائب رئيس الوزراء، ووزير للثقافة في عامي «1966- 1970» من أهم الفترات في تاريخ الوزارة.
وأضاف «ريان»، في تصريحات ل«الوطن»، أن ثروت عكاشة، كان يعتقد أن وجوده بالمنصب ليس تشريفا، ولا حتى تكليفا بالمعنى المفهوم الآن، لكنه دور يجب أن يؤديه، ورسالة ينبغي أن يعمل على أن تصل للهدف المنشود، فكان لا بد من أن يسير الأمر وفق منهج محدد، وخطة واضحة، وربما هذا ما جعله ينتبه مبكرا لأهمية السياسة الثقافية، ولم تكن الوزارة قبل توليه المنصب، واضحة المعالم من حيث الرؤية والتكوين والإمكانات المتاحة، وآليات التنفيذ وصلاحيات الدور المنوط بها، ومستقبلها ومدى قبولها لدى جماعة المثقفين والجماهير بصفة عامة.
عكاشة كان مؤمنا بأهمية التغييرات الثورية في مختلف القطاعات بعد يوليو 1952
ولفت إلى أن ميزة السياسة الثقافية في عهد ثروت عكاشة، أنها سارت وفق وحدة الفكر والهدف، بحيث تدور الثقافة مع حركة المجتمع، وأن التجربة الثورية فى الميادين الاقتصادية والاجتماعية، لا بد أن يواكبها الشيء ذاته في الميادين الثقافية، وسواء أتفقنا مع هذا الأمر أم كنا ضده، فلا بد من وضع الأمور ضمن الظرف التاريخي لتلك الأيام.
وأكد «الباحث»، أن ثروت عكاشة كان مؤمنا بأهمية أن تساير مؤسسات الثقافة التغييرات الثورية في مختلف القطاعات بعد ثورة يوليو 1952، لتكون بمثابة الداعم الفكري لمواجهة المشكلات والتحديات التي تواجه المصريين في تلك المرحلة الفارقة، ولعل الإنجاز الحقيقي لثروت عكاشة، في رأيي هو صياغة أول استراتيجية ثقافية متكاملة، وكان أول تفكير لوضع خطة ثقافية في مصر، بتوافق المثقفين في المؤتمر العام للثقافة والفنون، الذي عقد بدار الأوبرا بالقاهرة فى الفترة من 18 أبريل إلى 22 أبريل عام 1959، لكن ملامح سياسته الثقافية الكاملة، ظهرت بعد ذلك في بيانه الأشهر أمام لجنة الخدمات بمجلس الأمة فى 16 يونيو 1969، ونشره بعد ذلك في مطبعة دار الكتب تحت عنوان «السياسة الثقافية»، مشيرا إلى أنه حاول في وقت مبكر جدا، وضع سياسة ثقافية للمصريين، لتكون بمثابة خط عام يحدد خطوات مصر الثقافية بكل ثبات وثقة نحو مستقبل أفضل، ونجح نجاحا باهرا ظهر في تأثيره حتى وقتنا الحالي، وحضوره في أغلب المؤسسات الثقافية.
تأسيس معرض الكتاب
يعود الفضل بالأساس في تأسيس معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي تعقد بعد أشهر قليلة، دورته ال52 إلى الدكتور ثروت عكاشة، وذكر ذلك في مذكراته، وقال بالحرف الواحد «قدم إلىّ الفنان عبد السلام الشريف مُقترحا حول ضرورة إقامة معرض دولي للكتاب في مصر، وأشرت على المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر بتبني الاقتراح، فاتصلت بسوق الكتاب الدولي المعروف في ليبزج، وأرسلت مندوبها إسلام شلبي، للتمهيد إلى إقامة معرض شبيه به على النطاق العربي، ليربطها بحركة نشر الكتاب دوليًا من خلال التعامل مع المشتركين في معرض ليبزج السنوي، وكان لحماسته الفائقة وكفاءته المذهلة الفضل الأكبر في نجاح الفكرة»
«وبدأ نتيجة هذه الاتصالات المثمرة، الإعداد لمعرض الكتاب الدولي، الذى أقامته المؤسسة لأول مرة في يناير 1969 كي تتيح الفرصة أمام الجامعات والهيئات العلمية للوصول إلى حاجتها من المراجع بأسعار مناسبة، ولقد اشتركت فى هذا المعرض الأول 27 دولة، وأكثر من 400 دار نشر، وزارة ما يزيد على سبعين ألف زائر خلال عشرة أيام، وزاره ما ينوف عن سبعين ألف زائر خلال عشرة أيام هى فترة إقامته».
واختتم ريان، «رغم أنه لم يكن المعرض الأول للكتاب في مصر، بل سبقه محاولات ومعارض أخرى تحت مسميات عديدة أبرزها (أسبوع الكتاب)، إلا أن معرض القاهرة الدولي للكتاب، يعد وبلا شك، مناسبة مهمة يسعى إليها الجميع كل عام، فنحن أمام تجربة يندر تكرارها لشعب يعشق الكلمة المقروءة، ومؤسسة ثقافية تسعى بإصرار لنهضة المجتمع والإنسان بالاعتماد على القراءة».