قبل أن تُروى بماء البحر المالحة، ابتل قعر القنال بندى أجبنة الحفّارين المُسخّرين لشق الترعة الكبيرة منذ اقتلاعهم من قراهم.. الطريق إلى حفل الافتتاح الملكى الصاخب كان محفوفاً بمآتم أقيمت فى النجوع وتعديدات لم تكفّ عنها الأمهات والزوجات كلما سيق رجالهم إلى مصير مجهول ببرزخ السويس «قولوا لعين الشمس ماتحماشى.. أحسن حبيب القلب صابح ماشى». استفادت مصر من موقعها منذ القدم بمرور التجارة العالمية بين الشرق والغرب عبر أراضيها، وحرص ملوك مصر، الفراعنة، فكانت قناة «سيزوستريس» الفرعونية التى تربط نهر النيل بالبحر الأحمر مساراً لسفن التجارة، وأعيد شق وافتتاح القناة أكثر من مرة فى عهد الفراعنة والفرس والبطالمة والرومان وحتى عهد الوالى عمرو بن العاص. واعتادت سفن التجار على تفريغ حمولاتها فى أغلب الأوقات عند موانئ البحر الأحمر أو خليج السويس ونقلها براً بالجمال عبر برزخ السويس الصحراوى، الأمر الذى أولاه نابليون بونابرت اهتماماً حينما كلّف أحد مهندسى الحملة الفرنسية بدراسة إمكانية شق قناة فى برزخ السويس، لكن الفرنسيين تراجعوا عن الفكرة لظنّهم أن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من منسوب مياه البحر المتوسط وسيعوق شق القناة. وأعاد فرديناند ديليسبس، نائب القنصل الفرنسى بمصر، فكرة حفر القناة، بعرضها على صديقه محمد سعيد باشا، والى مصر وقتها، وحصل على امتياز الحفر، الذى بدأ فى 1859، وانتهى بحفل افتتاح أسطورى فى نوفمبر 1869، زُينت فيه بورسعيد لاستقبال ضيوف الخديو إسماعيل، خديو مصر وقت افتتاح القناة. وما بين امتياز الحفر والافتتاح المهيب لفظ ما يزيد على 125 ألف مصرى أنفاسهم الأخيرة من العطش عند قاع القناة، فرغم محاولات الخديو إسماعيل وقتها مد ترعة حلوة إلى مدينة السويس، وإنشاء مديرية القنال، وأمر بمد خط مياه إلى السويس، واستعانت الشركة الحاصلة على امتياز الحفر، بمكثفين للمياه المالحة لكنها لم تستطع توفير مياه لمليون عامل شقّوا القناة بالسخرة. بالمخالفة لشروط الامتياز الذى نص على استخدام معدات حفر حديثة. 165 كيلومتراً من المياه فى شريط ضيق بعرض 190 متراً أديرت بواسطة الفرنسيين، حتى مع دخول الإنجليز إلى مصر، باتفاق مع «ديليسبس»، مدير شركة القناة فى 1882، إلى أن جاء السادس والعشرون من يوليو 1956، حينما قرر رئيس الجمهورية حينها جمال عبدالناصر، تأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية. فآل ريع القناة منذ ذلك الحين كاملاً إلى خزينة مصر. تدر قناة السويس سنوياً أكثر من 4.8 مليار دولار أمريكى، مما جعلها من أهم مصادر الإيرادات العامة، وأهم مصدر للعملة الصعبة. فسعى كثيرون إلى تنميتها، بما يحقق إيرادات أعلى، وأثيرت الشائعات حول عزم جمال مبارك بيعها للولايات المتحدة، وعزم محمد مرسى بيعها لقطر.