تجلس على الأرض وسط قطع الملابس المتناثرة حولها، تمسك كل قطعة، تحتضنها تارة، وتارة أخرى تستنشقها، فى محاولة لاستعادة روح طفلها الذى فقدته قبل 8 أشهر بطلق نارى اخترق قلب الصغير من قبَل أحد الملثمين كان يتوسط مسيرة لأنصار الإخوان المسلمين فى منطقة العمرانية. تتجه الأم إلى شرفة منزلها، تفتحها فلا تجد أمامها زينة رمضان التى اعتاد ابنها تعليقها بمشاركة جيرانه من الأطفال، فالجميع ما زال لا يصدق فراق «محمد بدوى» الطفل صاحب الأعوام العشرة، تقول والدته: «مش قادرة أصدق إن ابنى ضاع منى، كل ذنبه إنى قلت له يا محمد روح اشترى لك علبة كشرى من على أول الشارع، راح ورجع لى جثة نايمة على ضهرها». تضيف والدته التى اتشحت بالسواد: «آخر مرة محمد قضاها معايا فى رمضان قبل اللى فات كان بيتصرف تصرفات غريبة، نزل اشترى الزينة، وكل ما يعلقها ماكانتش بتعجبه فضل يشيلها ويعلقها 3 مرات أكنّه كان حاسس إن دا آخر رمضان هيقضيه معانا». تصمت الوالدة لوهلة محاولة لملمة نفسها بعد انخراطها فى البكاء: «ابنى كان لسه عيل صغير فى رابعة ابتدائى ما لحقش يعمل أى حاجة فى الدنيا، ليه يكون ذنبه إنه يتقتل وفى مظاهرة معدية على شارعنا، هو دا الإسلام، الدين بيقول لهم اقتلوا الأطفال الصغيرة؟! كل اللى أنا طالباه من الدنيا إن الحكومة تاخد لى حق ابنى من اللى قتله مش عايزة حاجة غير إن حق ابنى يرجع من اللى قتله». ذكريات مؤلمة ما زالت تتوالى على عقل والدة الطفل محمد، كان آخرها مشهد تشييع جثمانه عندما قام مجموعة من الإخوان القاطنين فى المنطقة باعتراض الجنازة وإلقاء الطوب والزجاج عليها عندما هتف المشيعون «لا إله إلا الله.. الإخوان عدو الله»، لتتحول الجنازة إلى اشتباكات جعلت المشيعين يقومون بالإسراع بدفن الجثمان. أكثر الأشياء التى تؤلم والدة محمد هى أن والده لم يره قبل وفاته بعامين لظروف سجنه بعد إلقاء القبض عليه فى أحد الأفراح الشعبية فى المنطقة لوجود مخدرات فى الفرح، والحكم عليه بالحبس 3 سنوات قائلة: «أنا دلوقتى ماليش حد فى الدنيا بعد حبس جوزى، الحكومة قبضت عليه وهو قاعد فى فرح وخدوه من ضمن الناس بتهمة التعاطى وأنا كنت برفض إن ابنى يروح السجن لحد ما توفى، اضطريت أقول له بدل ما يعرف من بره». تضيف الوالدة: «جوزى هو اللى كان بيصرف علىّ أنا واولادى الأربعة، وبعد ما اتحبس كان محمد بينزل يشتغل فى إجازة المدرسة ويساعدنى، وحالياً الأب والابن مابقوش معايا، لافتة إلى أنه بعد استشهاد طفلها خرج وزير الداخلية وصرّح بأنه سيدرس ملف زوجها تمهيداً للإفراج عنه، ولكن هذا لم يحدث. تتابع الوالدة: «والده حالته النفسية سيئة جداً بعد خبر وفاة ابنه ومش فاضل له غير 3 شهور ويخرج من السجن، وكان نفسى وزير الداخلية يحقق وعده ويفرج عنه فى العيد. تنهمر دموع الوالدة قائلة: «كفاية إنى لما بنزل الشارع وأشوف هدوم العيد بفتكر ابنى، محمد كان متعود كل سنة ينزل يجيب هدوم العيد قبلها بفترة ويطبقها ويشيلها فى الدولاب، وكل ما يشوف حد من أصحابه ينادى عليه عشان يفرّجه على هدوم العيد».