رد الدكتور عبدالمقصود الباشا، رئيس قسم التاريخ الإسلامى والحضارة بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على فكرة انتشار الإسلام بحد السيف، بقوله إنه لو كان انتشر بالسيف كما يزعم أعداء الدين لما وصل الإسلام إلى الصين وإندونيسيا وأدغال أفريقيا، ولما تزايدت ونمت أعداد المسلمين باستمرار. وقال المؤرخ الإسلامى، فى حواره مع «الوطن»، إن ما يدعيه بعض المستشرقين بأن الفتوحات الإسلامية كانت بغرض احتلال الشعوب وإذلالها هى افتراءات مردود عليها بالوقائع التاريخية، فقد تزوج المسلمون وصاهروا غير المسلمين، ولم يفرضوا الجزية، وإنما كانت بمحض اختيارهم وإرادتهم.. وإلى نص الحوار: [Image_2] ■ لماذا يدعى معادو الإسلام فى الغرب باستمرار أن الإسلام انتشر بحد السيف؟ - كلها دعوات وافتراءات اعتاد على ترديدها أعداء الإسلام على مدار التاريخ الإسلامى وحتى يومنا هذا، وهو أمر ليس بمستغرب، فهى وسيلة من وسائل الحرب النفسية والحروب الباردة لاستفزاز الشعوب الإسلامية، وهو ما حدث مع جميع الديانات الأخرى من أعدائها الذين لا يعترفون بها. ■ ولكن هذه المقولات كثرت فى السنوات الأخيرة؟ - انتشار هذه الافتراءات يرجع إلى تمزق المسلمين ثقافيا وحضاريا، وتفرقهم وضعفهم، وعجزهم عن الرد على مروجى الشائعات ضدهم بالأسلحة الفكرية القوية، ما جعل أعداءهم يستغلون هذا الضعف للتشكيك فى حقائق العقيدة الإسلامية وأهدافها السامية، ولدينا شهادات تاريخية كثيرة تثبت وتؤكد أن المسلمين لم يبدأوا إعلان الحروب، وإنما كانوا يعلنون الحرب كوسيلة دفاعية. ■ وما الأدلة والشواهد على ذلك؟ - يكفى أن مخاطبات الرسول (صلى الله عليه وسلم) للملوك لم تكن سوى رسالات سلام، مستمدة من حروف كلمة الإسلام، فعندما خاطب الرسول «كسرى أنوشروان» ملك الفرس يدعوه إلى الإسلام، حملت رسالته كل معانى المودة والرحمة، واحتوت على الآية الكريمة «لا إكراه فى الدين.. قد تبين الرشد من الغى»، ودعاه إلى إنصاف رعاياه من المظلومين.. ومثلها الرسالة التى أرسلها ل«هرقل» ملك الروم، فما كان منهما إلا أن ردّا على الرسالة السلمية بالعدوان والهجوم، وأمر ملك الفرس جنوده بالسير ليلا إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وإحضاره مكبلاً بالأغلال إليه، ورد ملك الروم بتجييش الجيوش لمحاربة المسلمين، على أمل القضاء عليهم فى غزوة مؤتة، ومن هنا كان إعلان المسلمين الحرب كوسيلة للدفاع ضد هذه الهجمات. ■ يردد غير المسلمين أن الرسول كان يحث فى أحاديثه الشريفة المسلمين على الغزو دائما.. بم ترد عليهم؟ - أولا كلمة «الغزو» فى اللغة العربية الفصحى، وفى المعاجم الأخرى، تعنى الدفاع ضد الغازين، فتغزوهم أى تدافع عن عرضك ودينك ومالك وأرضك، وفى الوقت نفسه أيضا تعنى الهجوم، ولكن الهجوم كرد فعل على هجوم ضده. ■ ومتى بدأت الفتوحات الإسلامية تاريخيا؟ - بدأت حينما اتخدت القوتان العظميان المعاصرتان للرسول (صلى الله عليه وسلم)، موقفا عدائيا من الكيان الإسلامى الجديد فى شبه الجزيرة العربية. ■ ولماذا يعتبرها البعض حروب احتلال؟ - المؤرخون والمستشرقون يحاولون، فى غوغائية ونوع من المماطلة والجدال، أن يصوروا الإسلام على أنه دين اعتداء على حريات الآخرين، بالمخالفة تماما للواقع على مدار التاريخ، والدليل على كذبهم وافتراءاتهم المغرضة أن «ريتشارد قلب الأسد» قائد الحملات الصليبية تراجع ووافق على الصلح مع المسلمين، رغم تفوقه ماديا وعسكريا، وكذلك يدلل على هذا الكذب اعتناق غلاة المغول والتتار للإسلام بعد أن هزموا المسلمين عسكريا، ولماذا اعتنق الإسلام كثير من الألمان والروس والإنجليز والفرنسيين وغيرهم من شعوب الأرض؟ ■ وبم يمكن أن نرد على من يرددون أن الإسلام انتشر بحد السيف والقهر والقسر؟ - لو افترضنا جدلا أن الإسلام انتشر بما يقولون، فلماذا لم يخرجوا، ومن جاء بعدهم من ذويهم، من الإسلام، حينما أتيحت لهم الفرصة لذلك، فى ظل الحريات التى يشهدها العالم. فاستمرارهم على الديانة الإسلامية التى اعتنقوها يؤكد أن اعتناقهم كان عن قناعة تامة، وهروبا من جحيم وظلم طغاة حكامهم، كما حدث فى مصر عندما فتحها عمرو بن العاص، وأنقذ المصريين من قهر الرومان. وكما فعل حاكم «سبتة» عندما استغاث بموسى بن نصير وساعده لتتخلص إسبانيا من جور وظلم «غيطشة» ملك القوط آنذاك، الذى كان يغتصب النساء وحتى ابنة حاكم سبتة ومليلة لم تنجُ منه. ■ هناك بعض المستشرقين يسوقون وقائع تاريخية تبرز تعمد المسلمين إراقة الدماء فى فتوحاتهم.. فكيف ترى الأمر؟ - لو كان الأمر كذلك لما وجدت أعداداً كبيرة من المسيحيين، يعيشون بكافة طوائفهم، بين الأغلبية المسلمة فى البلاد العربية، بالعكس، فإن من دخل الإسلام من غير العرب أكثر حرصا عليه من كثيرين من العرب أنفسهم، ولو أن الإسلام انتشر بحد السيف كما يقولون لما كانت إحصائية عدد القتلى، من المسلمين وغير المسلمين، فى كل الحروب والغزوات التى شهدها الرسول (صلى الله عليه وسلم) 145 قتيلا وشهيداً من الطرفين. فإذا قارن المستشرقون بين عدد الضحايا المصريين، الذين ذبحهم نابليون «بالسكاكين» على حدود عكا وبلغ عددهم 10 آلاف مصرى، وقال عبارته التى يخلدها التاريخ «هم أرخص من أن نخسر طلقات البنادق فى أجسادهم»، وعدد ضحايا هتلر فى الحرب العالمية الثانية، لوجدوا أن الإسلام كان رحيما عند منازلة أعدائه. ■ كيف تعامل المسلمون مع شعوب البلاد التى فتحوها؟ - فى تاريخ البشرية والحروب، لم يجد غير المسلمين معاملة أفضل منهم، فكانوا يتزاوجون منهم ويصاهرونهم، وتقوم بينهم معايشة اقتصادية وتجارية، فكل ملوك بنى أمية تزوجوا من البربر، حتى إن عبدالرحمن الداخل كان أخواله من البربر، وهم الذين ناصروه عند هروبه من العباسيين وكوّن بهم دولة بنى أمية فى الأندلس، ولم يحدث أبدا أن استخدم المسلمون أسرى أعدائهم كدروع بشرية فى فتوحاتهم، بداية من غزوة بدر، التى كان الرسول يطلق فيها سراح الأسير مقابل تعليم 10 من المسلمين القراءة والكتابة، وانتهاء بالحجاج بن يوسف الثقفى وحسان بن النعمان، الذى فتح بلاد «الأمازيغ»، المعروفة بشمال أفريقيا الآن، التى أوصت قائدتها «الكاهنة» أبناءها، حال الهزيمة، بأن يلجأوا إلى قائد المسلمين ويحتمون به، لأنها تعلم أن المسلمين يكرمون الأسرى ولا يهينونهم. ■ وماذا عن «الجزية» التى يحاول أعداء الإسلام استغلالها فى تشويه صورة المسلمين الأوائل؟ - الجزية لم تكن اختراعا أو بدعة ابتدعها المسلمون، إنما كانت موجودة تحت مسمى «ضريبة رؤوس»، حيث فرضها المقدونيون منذ فجر التاريخ، وفرضها أيضاً من بعدهم الرومان والفرس والروم، وفرض البيزنطيون 17 ضريبة على المصريين، منها ضريبة الرؤوس، فلما جاء الإسلام فرضها على غير المسلمين، الذين رفضوا المشاركة فى جيوش المسلمين ضد أعدائهم من الخارج، فى مقابل أن يحارب المسلمون بدلا منهم. ■ وما قيمة هذه الجزية؟ - الجزية لغير المسلمين كانت أقل بكثير مما فرضه الإسلام من زكاة على المسلمين، فلم تتجاوز الأربعة دنانير للقادر وبحد أدنى دينار واحد، ويعفى منها الصبى وغير القادر والعجوز والأطفال، وكانت أمرا اختياريا، لأنه ليس من المعقول أن ينعم غير المسلمين فى بيوتهم، بينما يشارك المسلمون فى الحروب ويعرضون للقتل دون أن يدفع غير المسلمين المقابل لحمايتهم. ■ ومتى انتهى فرضها فى مصر؟ - انتهى فرض الجزية على غير المسلمين فى عهد الخديو عباس، بعد أن تحولت مصر إلى دولة مدنية، وشارك غير المسلمين فى الجيوش، فأصبحت الجزية لا معنى لها. ■ وبم تفسر مطالبة بعض التيارات الدينية بعودة الجزية مرة أخرى؟ - أرى أن الفكر الذى ينادى بعودة الجزية مرة أخرى فى عصرنا هذا «فكر ساقط»، وأصحابه مصابون بالخبل العقلى، ولا يدركون المعانى الحقيقية للعقيدة الإسلامية، ولا أهدافها السامية، بسبب ضحالة فكرهم وضعف وسطحية علمهم. ولا خوف من دعواتهم لأنهم قلة لا تعى. ■ هل تتوقع أن تستمر الحرب وحملات الهجوم والإساءة الموجهة ضد الإسلام؟ - لن تتوقف هجمات أعداء الإسلام عليه، وسوف تتطور أسلحتها بتطور الزمن، طالما أن المسلمين يعانون من ضعف وتشرذم، وقلة حيلة فى الردود القوية الحضارية على من يشوه صورة الدين ونبيه، وطالما أن قوتهم العسكرية أمام العالم ضعيفة. ■ ولكن الغرب يزعم أن الإساءة إلى النبى وانتقاده نوع من أنواع حرية التعبير والرأى؟ - أقول لهم: هل تجرؤ أى وسيلة إعلام إنجليزية أو أوروبية أو أمريكية، أو أى صحيفة، على أن تنتقد الذات الملكية البريطانية، كما يتكرر الأمر مع الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، ابتداء من الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة، وانتهاء بالفيلم المسىء الأخير؟