قبيل الإفطار بقليل، تكرر سيناريو مذبحة رفح، عملية إرهابية خسيسة استهدفت أحد معسكرات حرس الحدود عند نقطة كمين الكيلو (100) بواحة الفرافرة.. كان الضباط والجنود يستعدون لساعة الإفطار، بعضهم كان منهمكاً فى الإعداد لهذه اللحظة.. فجأة توجهت ثلاث سيارات دفع رباعى تحمل على متنها نحو 112 إرهابياً إلى المعسكر، بدأوا فى إطلاق سيل من الرصاص، وطلقات «آر بى جيه»، استمر القتال لأكثر من نصف ساعة، قاتل فيها رجال المعسكر بكل قوة وجسارة، قتلوا أربعة من الإرهابيين.. كان المعتدون قد أعدوا أنفسهم جيداً، أسلحة متقدمة، وعناصر مدربة تدريباً عالياً، وجهوا طلقات ال«آر بى جيه» إلى المبنى ليحسموا المعركة مبكراً، أصابوا مخزن الذخيرة الذى انفجر على الفور فأوقع العديد من الشهداء والجرحى.. فى دقائق معدودة كانت الحصيلة 22 شهيداً وثلاثة من الجرحى، كان الخبر صادماً، تحرك رجال المنطقة الجنوبية، بدأوا إجراءات أمنية مشددة، غير أن الإرهابيين اختفوا على الفور، وغاصوا فى رمال الصحراء بعيداً.. اهتز الضمير الوطنى، تذكر الناس مذبحة رفح التى دبرها الإخوان الإرهابيون بدعم من الرئيس المعزول محمد مرسى فى الخامس من أغسطس 2012.. نفس السيناريو: 35 ملثماً جاءوا عبر الأنفاق، قسّموا أنفسهم إلى عدة مجموعات، توجهوا إلى منطقة كمين «الحرية» جنوب منطقة رفح، بعد دقيقة واحدة من مدفع الإفطار، توقفت السيارات المهاجمة «دفع رباعى أيضاً»، هبط منها الإرهابيون، ووجهوا رصاصاتهم الغادرة فقتلوا ستة عشر جندياً وأصابوا سبعة آخرين. قتلوهم بدم بارد، كانوا يريدون مبرراً لمحمد مرسى لإجراء تعديلات فى القيادة العسكرية فى هذا الوقت، فكانت قرارات 12 أغسطس بعزل المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وقادة الأفرع الرئيسية.. فى هذه المرة أراد الإرهابيون أن يفتحوا جبهة جديدة.. لقد نجحت القوات المسلحة فى تصفية غالبية البؤر الإرهابية الإجرامية، أجهضوا مخطط قيام الإمارة الإسلامية، وإقامة دولة غزة الكبرى باتفاق إسرائيلى أمريكى إخوانى، فكان طبيعياً أن تتحرك عناصر الإرهاب عبر أكثر من اتجاه.. لم يعد هناك فارق بين أن يحمل الإرهابيون علم القاعدة أو غيرها، فالمؤامرة إخوانية صرفة، بل حتى الجماعة لم تُدِنْ الحادث، كيف تدينه وهى متورطة فيه حتى النخاع؟! لم يعد هناك فارق بين ما يقوم به العدو الصهيونى ضد الأبرياء من أبناء شعبنا الفلسطينى فى غزة، وبين ما تقوم به جماعة الإخوان الإرهابية والمنظمات التابعة لها ضد أبناء الشعب المصرى ومؤسساته المختلفة.. فلماذا صمت العالم عن إدانة هذه الجرائم الإرهابية التى ترتكب فى مصر؟! دعونا نقُل بصراحة ووضوح: إن هناك مؤامرة دولية وإقليمية ومحلية تستهدف إسقاط نظام الرئيس السيسى وصولاً إلى إسقاط الدولة، أمريكا ليست بعيدة عن المخطط، التصريحات الأمريكية المعادية لمصر لا تريد أن تتوقف، التحركات السرية والاتفاقات التى تجرى من خلف الستار مع الإخوان وقطروتركيا تتضح خيوطها يوماً بعد يوم، إنهم يريدون فرض أجندتهم علينا، تأمّلوا معنى تأجيل ثم إلغاء زيارة وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» إلى مصر، لقد أراد تمرير المبادرة المصرية عبر البوابة الأمريكيةالقطرية التركية. لقد وجهت واشنطن اللوم إلى مصر لأنها أطلقت مبادرة لوضع حد للعدوان الإسرائيلى دون التشاور معها، نسيت واشنطن أن زمن التبعية قد ولى دون عودة، أرادوا فرض شروطهم، لكن الرئيس السيسى رد عليهم على الفور بالاعتذار عن المشاركة فى القمة الأمريكية الأفريقية التى ستعقد فى شهر أغسطس المقبل بحضور الرئيس الأمريكى باراك أوباما. ■ ■ ■ إن وقائع وتفاصيل ما يجرى تمثل مرحلة جديدة فى سيناريو المواجهة بين القوى المتحالفة التى تتبنى مشروع الشرق الأوسط الجديد وبين مصر ودول المنطقة من جانب آخر. لقد ظن البعض أنه بمجرد وصول الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى سدة الحكم فى البلاد قد انتهى المخطط أو تراجع إلى حين، غير أن الحقائق على الأرض أكدت أن الواقع مختلف تماماً، فالمؤامرة مستمرة، وتعبر عن نفسها من خلال سيناريوهات عديدة.. فقطر التى قيل إنها أبدت التزاماً بقرار دول مجلس التعاون الخليجى فى أبريل الماضى، لا تزال تمارس دورها التآمرى، سواء فى تمويل الإرهاب واحتضان الإخوان أو فى استمرار إطلاق بوق قناة الجزيرة الذى يبث سمومه ويمارس أسوأ عملية عهر إعلامى شهدها التاريخ!! لا يزال هذا الأمير «العابث» وعصابته المجرمة يسخّرون أموال الشعب القطرى فى الحض على الفتنة ضد مصر وضد دول الخليج ودول المنطقة بأسرها، لقد ظن البعض أنه برحيل والده ورئيس وزرائه عن الحكم فى البلاد فإن صفحة جديدة سوف تفتح، غير أن من توقعوا ذلك نسوا أو تناسوا أن حكام قطر أصبحوا فقط مجرد ألعوبة يمارس البعض من خلالها كل أنواع القتل والدمار وصولاً إلى مخطط التقسيم والحرب الأهلية.. أما تركيا فحدّث ولا حرج، فهذا الطاغية أردوغان، الذى يمارس القهر ضد شعبه، هو الآخر يسعى إلى استعادة حلم الدولة العثمانية ولكن على أنقاض المنطقة بأسرها، فبعد مؤامرة سوريا وداعش، راح يستمر فى نهجه التحريضى ضد مصر ودعمه لعناصر الإرهاب الإخوانى وراح يتبارى مع قطر فى تنفيذ السيناريو الخسيس الذى تحركه أيادٍ صهيونية استعمارية.. انطلاق المؤامرة هذه المرة من الجنوب يعنى أن عناصر الإخوان وتابعيهم بدأوا فى توسيع دائرة المعركة، بهدف تشتيت القوات وإثارة حالة من عدم الاستقرار فى المناطق الحدودية.. فإذا عرفنا أن المكان الذى تم اختياره لتنفيذ العملية الإرهابية التى وقعت مساء السبت هو محافظة الوادى الجديد، فنحن هنا نتحدث عن منطقة تبلغ مساحتها نصف مساحة مصر كلها وتمتد طولاً من الجيزة شمالاً وحتى الواحات البحرية جنوباً.. لقد استطاع الإرهابيون أن يجروا اتفاقاً مع عناصر المهربين وتجار البشر والمخدرات لمساعدتهم فى تنفيذ مخطط القتل والتخريب، فالمهربون أدرى بطرق الصحراء، وعبرها يقومون بعمليات تهريب واسعة، ولذلك وجدت عناصر الإرهاب من يسهل لها المهمة ويساعدها على الهرب. ولا يتوقع فى ضوء ذلك أن ينتهى الأمر عند هذا الحد، فهناك قرار من التنظيم الدولى للإخوان بإشعال هذه المنطقة، بهدف جر القوات إلى مناطق مكشوفة فى جوف الصحراء لاصطيادها والدخول معها فى معارك مفتوحة.. لقد نجحت القوات المصرية خلال الأسابيع الماضية فى مطاردة نحو ست سيارات «دفع رباعى» قادمة من السودان باتجاه أسوان على خلفية الأحداث الأخيرة التى شهدتها المنطقة، وهو أمر يشير إلى أن المنطقة الجنوبية باتت تشكل خطراً مثلها مثل منطقتى الشرق فى سيناء والغرب على الحدود الليبية. إن علينا جميعاً أن ندرك أن المرحلة المقبلة خطيرة، ويجب على المصريين أن يظلوا على قلب رجل واحد، وأن تتوقف النخبة عن المعارك السفسطائية التى لا يراد من ورائها إلّا زرع المزيد من بذور الخلاف والسعى إلى تسخين الشارع المصرى مجدداً وإطلاق ما يسمى بتحذيرات «الثورة الثالثة». إن أمثال هؤلاء تسببوا فى فترات سابقة فى حدوث انهيارات مجتمعية خطيرة، عبر سيناريوهات الفوضى «المدفوعة الثمن» والتى شهدتها مصر طيلة السنوات الثلاث الماضية، وينسى هؤلاء الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الديمقراطية أن هناك أمناً قومياً لهذا البلد معرضاً لمخاطر شتى ويتجاهلون عن عمد أن هناك مئات الشهداء والجرحى الذين يتساقطون بفعل العمليات الإرهابية المنظمة والمدعومة من قوى إقليمية ودولية.. ففى الوقت الذى تُسال فيه دماء الأبرياء على أرض مصر بفعل هذه المخططات، نسمع أصواتاً نشازاً تدافع عن القتلة وتحدثنا عن حقوق الإنسان ولا نسمع لهم صوتاً أو إدانة للعمليات الإرهابية التى ينجم عنها سقوط الشهداء وتخريب البلاد واقتصادياتها.. لقد سعى هؤلاء جنباً إلى جنب مع الإرهابيين فى استغلال بعض القرارات الاقتصادية الأخيرة، لإثارة الفوضى مجدداً، فراحوا يستخدمون كل الوسائل للتحريض أملاً فى خروج الجماهير إلى الشارع مرة أخرى، ثم استغلال هذا الخروج لإحداث تخريب وحرائق فى البلاد تؤدى إلى انتكاسة كبرى وتعيد البلاد إلى النقطة «صفر» من جديد. صحيح أن الناس كشفت اللعبة الإخوانية وأهدافها، وصحيح أن ثقة الناس فى الرئيس السيسى لم تتزعزع، إلا أن رهانات الإخوان لم تتوقف ولن تتوقف، بهدف استغلال بعض الأحداث والقرارات للحصول على دعم شعبى يمكنهم من إسقاط النظام وإسقاط الدولة، لتلحق مصر بالعراق وغيرها من البلدان.. ويدرك «الإخوان» قبل غيرهم أنهم يمارسون لعبتهم القذرة فى مواجهة شعب عنيد وقائد جسور أخذ على عاتقه مهمة إنقاذ الوطن حتى ولو كان الثمن روحه يقدمها عن طيب خاطر. ويعرف الإرهابيون جيداً أن «السيسى» حالة استثنائية، يمتلك قدرة هائلة على الصمود وشجاعة فائقة فى المواجهة، وقلباً جسوراً لا يعرف الخوف ولا التردد. وإذا كان المتآمرون فى الخارج أو الداخل يراهنون على إثارة الفتنة داخل الجيش أو الشرطة فقد خاب سعيهم طيلة الفترة الماضية، رغم استخدامهم لكل أساليب العنف والإرهاب التى تعدت كل الحدود وطالت الأبرياء من أبناء الشعب المصرى. وإذا كانت واشنطن وعملاؤها يظنون أن الشعب المصرى قد يُخدَع مرة أخرى فهم واهمون، فالمصريون على استعداد أن يتحملوا كل أوجه المعاناة مهما كانت قسوتها ولكن أبداً لن يسمحوا بتكرار سيناريو ما جرى فى العراق أو سوريا أو ليبيا على أرض مصر مرة أخرى. نعم لا يزال الجرح غائراً فى النفوس، ولا تزال دماء الأبرياء تتدفق من جراء أفعالهم الخبيثة، التى وصلت إلى حد تدمير محطات الكهرباء والمياه، نعم أصبح العدو الداخلى أشد خطراً من أعداء الخارج، لكننا على يقين بأننا سننتصر، وسندحر الخونة، وسنرفع راية الوطن عالياً، وسنسقط المخططات الإجرامية لتبقى مصر وتبقى أمتها رغم أنف المتآمرين.