إنها لحظة تاريخية، الشعب يزحف إلى الميادين، يحاصر الخونة والمتآمرين، يستعيد ذكريات النصر والانتصار، يعلن التحدى مجدداً، يتذكر أيام الطغيان واختصار الوطن فى الجماعة، والشعب فى الأهل والعشيرة. منذ الصباح الباكر وأنا غارق فى بحر من الذكريات، حلوها ومرّها، أقرأ تفاصيل ما جرى، أتذكر يوم العبور، يوم الكرامة والانتصار. أربعون عاماً مضت، كان عمرى يومها سبعة عشر عاماً، عشت اللحظة، بكيت من شدة الفرح، خرجت إلى الشارع أمضى فى الدروب والحوارى، أتفرّس فى وجوه البشر، إنهم يبكون أيضاً، هذه دموع الفرحة التى انتظرناها طويلاً.. فى العام الماضى اختصر محمد مرسى حفل الانتصار فى أهله وعشيرته، جاءوا بهم، حشدوهم فى الاستاد الرياضى، كانت شعاراتهم مختلفة، وكانت وجوههم عابسة، لم يكن النصر بالنسبة لهم يعنى شيئاً، بعضهم سعد بهزيمة جيشنا فى 67، وكانت سعادتهم ستكون أكبر لو انهار الجيش فى 1973، إنهم يكرهوننا، من المؤكد أنهم لا يملكون من المصرية والوطنية سوى اسمهما، لكن قلوبهم وعقولهم تقطر سماً.. يومها، أظنكم تتذكرون جيداً، دخل الرئيس إلى ساحة العرض وسط أهله وعشيرته على متن سيارة مكشوفة، تجوّل بها فى الاستاد الرياضى، لم يكن وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلى جواره، كما جرت العادة فى مثل هذه الاحتفالات، غاب صنّاع النصر، وحضر إلى ساحة العرض قتلة السادات. كانت رسالة واضحة أراد الرئيس المعزول أن يبلغها للجميع، للجيش وللشعب على السواء، تحدث محمد مرسى وسط المحتشدين، ولم يسمع أحد صوت الفريق أول السيسى، كأن الانتصار هو من صنيعة الرئيس وجماعته، لم يكرم أحداً، فقد غيّب الجميع، وراح يعلن عن عصر جديد عنوانه «دولة الإخوان»! كم كان الشعور مؤلماً، خرج الفريق أول السيسى يومها مكتئباً، اهتزت مشاعر الكثيرين، أُصيبوا بالإحباط الشديد، وتخوفوا على مستقبل الوطن. كان الجيش يعى الحقائق، ويدرك أبعاد المخطط، لكنه حتى هذا الوقت كان محكوماً بما سُمى شرعية الصندوق، ورويداً رويداً بدأ النظام يكشف عن وجهه سافراً، أصبح الكل على يقين أننا أمام مخطط يستهدف إسقاط الدولة، لتحل محلها دول الجماعة. لقد سعى محمد مرسى وجماعته منذ هذا الوقت إلى إحداث حالة من الانقسام فى الشارع المصرى، فرّط فى الأمن القومى، بدأ فى إقامة مؤسسات موازية وسعى إلى تخريب مؤسسات الدولة، وعندما ثار الشعب المصرى وأصدر قراره فى الثلاثين من يونيو بإسقاط النظام، كان طبيعياً أن ينحاز الجيش إلى ثورة الشعب، فحقق العبور الثانى الذى أعاد مصر إلى أبنائها الحقيقيين. كنا ندرك منذ البداية أن المؤامرة لم تكن هيّنة، لقد كان الإخوان فيها مجرد «أداة» تنفّذ، لكن العقل المتحكم كان هناك فى واشنطن وتل أبيب، كانت الخيانة بلا حدود، وكان الوطن كله معرضاً للانهيار والسقوط. لقد كشف رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة فى عهدَى بوش وكلينتون الجنرال «هيو شيلتون» عن تفاصيل هذه المؤامرة عندما أكّد فى حديث مؤخّر إلى صحيفة «هيرالد تربيون» أن الولاياتالمتحدة خططت لزعزعة الاستقرار فى دولتين على الأقل من الدول العربية هما مصر والبحرين. وقال «شيلتون» إن مصر نجحت فى إيقاف الحملة التى قام بها أوباما لزعزعة الاستقرار فى البلاد خلال عام 2013، بعد أن تمكّن وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى من كشف المؤامرة الأمريكية لدعم الإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى الحكم وسط اضطرابات لم يسبق لها مثيل. وقد أكد الجنرال الأمريكى المتقاعد أنه «إذا لم تتم الإطاحة بمرسى بمساعدة الجيش لكانت مصر قد تحولت إلى سوريا أخرى، وتم تدمير الجيش المصرى بالكامل». كانت تلك هى الحقيقة، لقد كنا أمام مؤامرة خطيرة يجرى تنفيذها على أرض الواقع، ولولا تدخل الجيش فى هذه اللحظة التاريخية المهمة لأصبحت البلاد أمام حرب أهلية، لن تُبقى ولن تذر، وكان الجيش المصرى سيكون أول ضحايا سقوط الدولة. كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى قد قرأ الخريطة جيداً، أدرك أن البلاد قد تمضى إلى الهاوية، وأنه لا يستطيع غضّ البصر عن الملايين المحتشدة فى الشوارع والتى تطالب بإسقاط النظام، فانحاز إلى الشعب «أصل الشرعية» وحرر مصر من الاحتلال الذى أراد طمس هويتها وتفكيك بنيتها. لقد سعت واشنطن إلى ممارسة كافة الضغوط ضد القائد العام لإثنائه عن انحيازه للشعب، إلا أن السيسى لم يتردد فى الحسم وإعلان الانحياز للإرادة الشعبية مهما كان الثمن فى المقابل، رفض كافة التهديدات والتحذيرات، وأنقذ البلاد من مخاطر جمّة كانت فى انتظارها. كان طبيعياً أن يثور الإخوان، وأن يتآمروا، وأن يتحالفوا مع واشنطن وحلفائها، وكان رهانهم فى هذا الوقت على إحداث الانقسام فى الجيش المصرى وفى الشارع المصرى، وبعد فشلهم فقدوا صوابهم وراحوا يمارسون العنف والإرهاب ضد الجميع بلا استثناء. صمد الجيش وصمد الشعب وواجهت الشرطة الإرهابيين بكل بسالة وشجاعة، وبدأ اليأس يتسرب إلى نفوس الإرهابيين فراحوا يفجرون ويقتلون الأبرياء، ظناً منهم أن ذلك كفيل بحسم المعركة سريعاً، إلا أنهم فوجئوا بمزيد من الالتفاف الشعبى حول القيادة وحول خارطة الطريق، بعد أن أدركوا أن الشعب مصمم على مواجهتهم حتى النهاية. وقبيل الاحتفال بالذكرى الأربعين للانتصار العظيم، قررت الجماعة الإرهابية إعلان المواجهة، ظناً منها أنها ستنجح فى تكرار سيناريو 25 يناير، يوم احتفال الشرطة، إلا أنها فوجئت مجدداً بموقف المصريين الذين تصدوا لمخطط التخريب وطردوا عناصر الجماعة والمأجورين من الشوارع والميادين. لقد صمم المصريون على تحدى كافة التهديدات وخرجوا إلى الشارع ليقدموا شكرهم إلى الجيش ويرفعوا صور القائد البطل الفريق أول عبدالفتاح السيسى ويناشدوه الاستجابة لصوت الشعب والترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية القادمة. وكان الاحتفال الذى أقامته القوات المسلحة فى مساء ذات اليوم هو عنوان آخر لتحدى الإرهاب، وكانت كلمة الفريق أول السيسى تجسيداً لآمال وطموحات المصريين فى تحقيق الأمن والاستقرار والتقدم. لقد أدرك المصريون أن صمودهم هو وحده الكفيل بدحر المخططات، تكاتفوا وتراصوا كما لم يحدث من قبل، أعادوا إلى الدنيا روح أكتوبر 1973، قدموا نموذجاً حضارياً فى المواجهة، صبروا على البلاء، لم ينجرّوا إلى مؤامرة الفتنة الطائفية التى سعى الإخوان إلى جرّ الأقباط إليها، لكنهم كانوا الأكثر حرصاً على الوطن ومصلحته. سقطت كل أسلحة الإخوان، فسعوا إلى إنهاك الاقتصاد من خلال إشاعة الفوضى الأمنية، لكن المصريين قالوا إنهم سيتحملون الجوع والحاجة، لكنهم أبداً لن يحطموا الوطن بأيديهم، لأنهم لا يريدون لنسائهم ولأولادهم مصيراً كمصير أبناء الشعبين السورى والليبى ومن قبلهما شعب العراق. إن المؤامرة التى حيكت ضد مصر سبقت ثورة الخامس والعشرين من يناير بسنوات طوال، كان الهدف هو تدمير الجيش المصرى وإسقاط الدولة، وكان الخونة يهتفون فى الشوارع: «يسقط حكم العسكر» وكأنهم باتوا مجرد أداة فى هذا المخطط، إلا أن قيادة الجيش استطاعت أن تعبر هذه المرحلة بسلام بعد أن تحملت ما تنوء عن حملة الجبال. إن قادة جيشنا العظيم الذين أفشلوا هذا المخطط قادرون بعزيمتهم وإصرارهم على القضاء على ذيول هذه المؤامرة، بما يحقق عودة الاستقرار النهائى إلى البلاد والمضىّ فى تنفيذ خارطة الطريق التى يحاول المتآمرون إفشالها. إن الأيام القادمة حاسمة فى تاريخ هذا الوطن، خاصة أننا أمام دستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية سوف تجرى خلال الأشهر القليلة القادمة، وكل ذلك يتطلب مزيداً من الوحدة بين أبناء الوطن جميعاً. إن ذلك يستوجب بناء أوسع جبهة وطنية بين القوى السياسية والحزبية والمدنية لخوض الانتخابات وإنجاز مهام المرحلة القادمة، وبحيث يكون من أبرز أهداف هذه الجبهة منع تسلل الإخوان إلى البرلمان مرة أخرى من خلال عمليات شراء الأصوات واللعب على الخلافات بين القوى المعارضة لها. وهذه الجبهة لا بد أن تشكّل الظهير الشعبى لمرشح الرئاسة القادم والذى سيكون عليه مواجهة مرشح الإخوان وحلفائهم، حيث تسعى الجماعة إلى رصد أكثر من 2 مليار جنيه للمرشح الرئاسى القادم بهدف إنجاحه وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثورة الثلاثين من يونيو. صحيح أن الجيش قد انسحب من المشهد السياسى وسلم السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا وإلى حكومة انتقالية، إلا أن ذلك لا يعنى أن الشعب المصرى لن يلجأ إلى ممارسة كافة الضغوط على الفريق أول عبدالفتاح السيسى لإجباره وتكليفه بترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية حتى يستطيع أن يعبر بالبلاد إلى مرحلة النهوض والأمن والاستقرار النهائى. ومن أجل تحقيق هذا الهدف لا بد أن يتوحد أبناء ثورة الثلاثين من يونيو بأحزابهم ومنظماتهم وقواهم الشعبية الحية فى إطار جبهوى واسع يكون برنامجه هو: 1- تحقيق انتصار كاسح فى البرلمان يحول دون عودة جماعة الإخوان وحلفائها أو حتى تمكينهم من الفوز بمقاعد تمكنهم من تعطيل إصدار القوانين داخل البرلمان. 2- الوقوف خلف المرشح الشعبى المنتظر لرئاسة الجمهورية الفريق أول عبدالفتاح السيسى بما يضمن حصوله على نسبة عالية من الأصوات تعكس الأوزان النسبية الحقيقية فى المجتمع. 3- الاتفاق على برنامج عمل للمرحلة القادمة يضمن تحقيق مشروع نهضوى حقيقى يعبّر عن طموحات الشعب المصرى ويلبّى حاجاته الأساسية. إن بناء هذه الجبهة الشعبية سريعاً هو أفضل هدية تقدَّم للشعب المصرى فى ذكرى انتصار أكتوبر 1973 والعبور الثانى الذى حققه الشعب والجيش والشرطة فى أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو الماضى.