بحنو بالغ تمسك بطفلها داخل ملبسه ناصع البياض الذي كان أول ما لمس جسده بعد الولادة، نظرة تمعن في الصغير لمحاولة حفظ ملامحه التي لا تزال في طور التكوين، فقد أصبح لديها "سند" في الدنيا، أم فلسطينية تمسك بطفلها الكبير تودعه بكفنه ناصع البياض، تبدل ملبس الولادة بكفن أبيض، لم تتغير نظرة الأم لطفلها، فهي تتمعن في ولدها لحفظ ملامحه التي لن تراها مرة أخرى. تضمه إلى ضلوعها وهي جالسة القرفصاء وكأنها تأبى أن تتركه للتراب، تحاول مداعبته كما اعتادت، وشبح ابتسامة يلوح بخفة على شفتيها، تعبير آخر للوجع على جبهتها، فقد غيَّرت بقعة كبيرة من الدماء بياض الكفن، وها هو شعب فلسطين الأبي، لا يزال يودع أطفاله إلى الجنة داخل أكفان ملوثة بشرور الاحتلال، لا زالت الأم تناضل من أجل أطفال عمرهم في الدنيا ساعات قليلة، ولون أكفانهم أحمر بلون أوجاعهم. يذكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل عملية عسكرية لليوم ال12 على التوالي على قطاع غزة تعرف ب"الجرف الصامد"، وتطورت أمس إلى اجتياح إسرائيلي بري لغزة، واستشهد حتى الآن ما يزيد عن 267 شهيدًا، وأكثر من 2000 مصاب، بينهم أطفال ونساء.