على رصيف مستشفى العريش العام، تجمع عشرات الأهالى، من شباب ورجال ونساء، للاطمئنان على ذويهم من المصابين، ينتظرون تشييع جثامين القتلى، كل منهم يملأ عينيه الحزن والبكاء، لا يستطيعون إدراك المشهد الأليم الذى لحق بهم، جراء هذا الحادث الإرهابى الذى خلّف 8 ضحايا و24 جريحاً، كل ما كانوا يفعلونه أنهم يسيرون فى الطرقات حول منازلهم، ومنهم من يقضى حاجته فى «السوبر ماركت» والصيدلية المواجهة لمكان الحادث. من بين هؤلاء جميعاً، جلس «حسام»، الرجل الأربعينى، على سلالم المستشفى أمام غرفة العناية المركزة، التى يرقد بها ابنه ذو العشر سنوات على الفراش ما بين الحياة والموت، تملأ الدموع عينيه، انكسرت عزيمته، فالحزن يملأ قلبه على ابنته وابن عمه اللذين فقدهما معاً، ويدعو ربه أن يرحمهما، وأن ينجى ابنه الآخر من الموت. قبل تشييع الجثامين، روى «حسام»، فى كلمات قليلة، ما حدث لأبنائه وابن عمه، فيقول: «خرجوا مثل أى أحد لإحضار السحور، وشراء الدواء من الصيدلية، فاصطحب ابن عمه الأطفال معه وهو يدعى ماهر عبدالله، 56 سنة، خرجوا معه إلى المتجر والصيدلية المجاورة التى تبعد عن المنزل أمتاراً قليلة». يقول وهو يصرخ: «ابنى الكبير اللى فى الإسماعيلية اتصل عليا، قال لى: الحق يا أبويا الناس بتشيل أختى وأخويا وعمى وبينقلوهم المستشفى، انتو عايزنى أقول إيه بس، حسبى الله ونعم الوكيل، بنتى عندها 15 سنة ماتت وراحت منى وهى فى أحلى سنين عمرها، وابنى عنده 10 سنين فى ابتدائى، مش عارف هيحصل له إيه، الشظايا فى بطنه وربنا ينجيه يا رب». يقول «عاصم»، أحد جيران الشهداء: «الحادث وقع فى حدود الساعة العاشرة مساء أمس الأول، وأحمد وأميرة وعمهما كانوا معاً لشراء بعض الأشياء من المتجر والصيدلية فى الشارع، لكن الصاروخ الذى سقط كان مباشرة فى نفس المكان الذى يوجدون فيه». دقات الساعة تقترب من صلاة الظهر، أحضر الأهالى عدداً من سيارات النقل لحمل الجثامين إلى مسجد أبوبكر الصديق بمنطقة «الفواخرية» للصلاة عليهم ودفنهم، عند خروج الجثامين ووضعها داخل النعش، تجمعت مجموعة من النساء أمام مبنى المستشفى، كل منهن تصرخ وتبكى. وقفت سيدة ستينية ترتدى جلباباً أسود، تملأ التجاعيد وجهها، والدموع تغمر عينيها، لا تستطيع أن تتحكم فى نفسها عندما صرخت وظلت تدعو قائلة: «منهم لله، قتلوا الأبرياء، حسبى الله ونعم الوكيل فيهم، ربنا ينتقم منهم على اللى عملوه، قتلوا بنت وحيدة على إخواتها الصبيان». تحركت السيارات إلى المسجد تحمل النعوش، وحين حانت صلاة الظهر، أذن المؤذن «حى على الصلاة»، حتى فرغ المصلون الذين اقترب عددهم من الألف مصلٍّ من أداء صلاة الظهر، فأحضروا الجثامين إلى الصف الأول واصطفوا لأداء صلاة الجنازة على أرواح المتوفين، حتى فرغ الإمام من الصلاة، ظل كل منهم يدعو ربه أن يرحمهم، وأن يوسع لهم فى قبورهم، وأن ينتقم ممن تلوثت يده بدمائهم، وخرج الناس حاملين الجثامين إلى مثواها الأخير. قال مصدر أمنى إنه قد تم التوصل عن طريق التحرى إلى معلومات تؤكد قيام العناصر التكفيرية بإطلاق القذائف الثلاث التى كانت تستهدف معسكر الجيش بالكتيبة «101» بالعريش من منطقة الزراعات بقرية الطويل بالعريش، وعلى الفور حاصرت قوات الجيش هذه المنطقة لتمشيطها بالكامل بعد إغلاق جميع الطرق المؤدية للزراعات بالكمائن الثابتة والمتحركة. وأضاف أن العناصر التكفيرية استهدفت بقذيفة رابعة فى الساعات الأولى من صباح أمس «الاثنين» أحد كمائن الجيش بحى الزعاربة بمدينة رفح ما أسفر عن إصابة أحد جنود الكمين التابع للجيش بجروح متفرقة نقل على أثرها لمستشفى العريش العسكرى لتلقى العلاج. وكشفت مصادر أمنية ل«الوطن» أن قذائف العريش تم إطلاقها من منطقة خالية من السكان بالقرب من منطقة السكاسكة وكانت تستهدف موقع قيادة الجيش الثانى الميدانى بالعريش ومديرية أمن شمال سيناء. وأفادت بأن نفس القذائف وبنفس الطريقة أطلقت فى رمضان الماضى بمنطقة غرناطة وقتلت ثلاثة شهداء بعدما سقطت إحداها داخل مسجد أثناء خروج المصلين من صلاة التراويح، مؤكدة أن الهدف من إطلاق هذه القذائف هو الرد على قيام الجيش بملاحقة العناصر الإرهابية وتضييق الخناق عليهم فى الفترة الأخيرة ومنعهم من إطلاق صواريخ على إسرائيل بالتزامن مع الحرب على غزة وتشديد الحملات الأمنية وقتل عدد كبير منهم. كان 8 أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب ما يزيد على 25 آخرين إثر سقوط قذائف «هاون» أطلقها إرهابيون على مناطق سكنية بالعريش. وشهدت المحافظة إجراءات أمنية مشددة عقب الانفجار لتمشيط المنطقة التى خرجت منها الصواريخ وتعقب الجناة. وقال اللواء سميح بشادى، مساعد وزير الداخلية لأمن شمال سيناء، إن مصدر إطلاق الصواريخ هو المنطقة الجبلية الواقعة جنوب حى الريسة وكانت تستهدف وحدة للجيش ومقر مديرية الأمن ومبنى المحكمة. وأشار إلى أن زيادة عدد الشهداء والمصابين كانت نتيجة سقوط القذيفة فى مكان مزدحم بالسكان لوجوده بالقرب من سوق الخضار ومسجد شعث، وأثناء خروج المصلين من المسجد وأن الإرهاب يستهدف المدنيين، ولفت إلى أنه عقب الحادث مباشرة وصل خبراء المعمل الجنائى إلى مكان سقوط القذيفة بضاحية السلام وقامت قوات الأمن بإغلاق الشارع المؤدى إلى مكان الحادث خشية وجود عبوات ناسفة فى المكان وإغلاق مخارج المدينة، وتم إجراء عمليات تمشيط واسعة بالمنطقة التى أطلقت منها الصواريخ بمنطقة جنوب الريسة وفرضت القوات إجراءات أمنية مشددة بالأكمنة الأمنية الموزعة على المحافظة وعمليات تفتيش بالطريق الدائرى ومنطقة الريسة. وفى السياق نفسه، انتقل فريق من النيابة العامة بإشراف المستشار عبدالناصر التايب، المحامى العام الأول لنيابة استئناف الإسماعيلية وبرئاسة المستشار عماد الدهشان، المستشار العام الأول لنيابات شمال سيناء وبعض أعضاء النيابة بالعريش، لمعاينة موقع الحادث بحى ضاحية السلام بالعريش. وأصدرت النيابة قرارها بسؤال المصابين حول ظروف وملابسات الواقعة، وندب خبراء الأدلة الجنائية لمعرفة نوع القذيفة المستخدمة فى التفجير. من جانبه، قال الدكتور طارق خاطر، مدير عام الصحة بشمال سيناء، إن المستشفى استقبل 8 جثث و25 مصاباً تم التعامل معهم داخل المستشفى وتقديم الخدمة الصحية لهم، مؤكداً أن الطواقم الطبية تم توزيعها على المصابين داخل مستشفى الطوارئ وكانت الإصابات أغلبها شظايا فى الجسم وكسراً فى الأرجل وقطعاً فى الرقبة والرأس وهؤلاء تم نقلهم إلى العناية المركزة.