بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    مدبولي: السياحة تقود التعافي الاقتصادي.. ومصر تقترب من 30 مليون سائح    رئيس الحكومة يطمئن المواطنين: لا أعباء جديدة حتى نهاية البرنامج مع صندوق النقد    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    الاتحاد الأوروبى يحذر من اتخاذ إجراءات ضد فرض عقوبات أمريكية على 5 أوروبيين    بدء المحادثات بشأن النزاع الحدودي بين تايلاند وكمبوديا وسط آمال للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار    محمد معروف يشهر أول بطاقة حمراء في أمم أفريقيا 2025    التعاون الاقتصادي والتجاري والمباحثات العسكرية على طاولة مباحثات لافروف والشيباني    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    أمم أفريقيا 2025| تشكيل منتخب السودان لمواجهة الجزائر    تشكيل أمم إفريقيا - زيدان يحرس مرمى الجزائر.. وعيسى يقود هجوم السودان    بث مباشر لمباراة الكاميرون والجابون في كأس أمم إفريقيا 2025 وموعد اللقاء    لاعب غينيا الاستوائية يتلقى أول بطاقة حمراء في أمم إفريقيا 2025    وكيل وزارة التموين بقنا يقود حملة مكبرة على المخابز والأسواق بمركز دشنا    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    "الزراعة": ضبط 135 طنًا من اللحوم المخالفة خلال النصف الأول من ديسمبر    من التمثيل إلى التأليف.. أبرز معلومات عن الراحل طارق الأمير    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    المتحف المصري بالقاهرة يحدّث قواعد الزيارة حفاظًا على كنوزه الخالدة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    البورصة المصرية توقّع بروتوكول تعاون مع جمعية مستثمري السادس من أكتوبر    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    رئيس جامعة قناة السويس يُكرم الفائزين بجائزة الأداء المتميز لشهر نوفمبر 2025    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    خالد عبدالعزيز يترأس الاجتماع الختامي للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام الإثنين المقبل    فوز 3 طلاب بجامعة أسيوط بمنحة للدراسة بجامعة كاستامونو بتركيا    تليجراف: عمر مرموش يقترب من مغادرة مانشستر سيتي في يناير    غرفة عمليات الشعب الجمهوري تتابع جولة الإعادة بالدوائر الملغاة بانتخابات النواب    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    حوار إسلامي مسيحي لأول مرة بقرية «حلوة» بالمنيا حول ثقافة التسامح في الجمهورية الجديدة (صور)    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    بالأعشاب والزيوت الطبيعية، علاج التهاب الحلق وتقوية مناعتك    وزير الري يحاضر بهيئة الاستخبارات العسكرية ويؤكد ثوابت مصر في ملف مياه النيل    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    الداخلية تستجيب لاستغاثة مواطن وتضبط المتهمين بالشروع في قتل شقيقه    أمم إفريقيا – مدافع السنغال: اللعب في البطولة ليس سهلا.. ونحن من ضمن المرشحين بشط    إيمان العاصي تجمع بين الدراما الاجتماعية والأزمات القانونية في «قسمة العدل»    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    لتشجيع الاستثمار في الذهب.. وزير البترول يشهد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق مع آتون مايننج الكندية    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    كانت بتزور جدتها.. محامي طالبة طب فاقوس بالشرقية ينفي صلتها بخلافات الميراث    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    واشنطن في مجلس الأمن: سياسات مادورو تهدد أمن الولايات المتحدة    ويتكر: المفاوضات حول أوكرانيا تبحث أربع وثائق ختامية رئيسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشدد أو المبالغة المكروهة فى الصوم
نشر في الوطن يوم 12 - 07 - 2014

نعلم جميعاً أن الوصف المعتاد للصوم فى رمضان هو أن يتسحر المكلف بوجبة طعام خفيفة قبل أذان الفجر، ثم يمسك عن الطعام والشراب والرفث إلى النساء إلى أذان المغرب، وبمجرد ابتداء الأذان للمغرب يقطع صيامه بشربة ماء أو حبة تمر أو ما تيسر من طعام أو شراب. ويمسى من حقه أن يأكل وأن يشرب وأن يعيش مع زوجته فى الحلال إلى أذان الفجر، ثم يمسك من جديد إلى المغرب، وهكذا حتى ينتهى الشهر بغروب شمس آخر يوم فيه.
وإذا كان ذلك صوم المسلم المعتاد، فقد لوحظ وجود بعض المتشددين فى صومه، فيزيد على نفسه ساعات الإمساك عن المفطرات، وأحياناً يوصل صوم اليومين والثلاثة. فحتى لا يتوهم أحد أن الذى يتغالى فى الصوم، ويشدد على نفسه فيه سوف يأخذ ثواباً أكبر أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بتعجيل الفطر فى أول وقته، وتأخير السحور إلى آخر وقته، ونهانا عن الوصال فى الصوم. غير أن كل هذه الأوامر والنواهى ليس لها تفسير واحد، بل لها أكثر من تفسير، وكل تفسير منها مقنع من زاويته لناس دون ناس. فكان من حق كل مكلف أن يتعرف على أقوال الفقهاء المختلفة فى تفسيرهم للأوامر والنواهى الشرعية؛ لأن كل مكلف سوف يجد نفسه فى واحد منها، وغيره قد يجد نفسه فى القول المخالف لاختيار صاحبه. والعدالة تستوجب أن تكون عادلاً ومنصفاً من نفسك، وأن تترك غيرك يستمتع بحرية الاختيار الفقهى مثلك تماماً، فأنت لست أفضل من غيرك، ولا غيرك أفضل منك. كلنا عبيد لرب واحد، وهو الرب العظيم العادل بين خلقه، وسَمَّى نفسه العدل، فلم يأذن لمخلوق ولو كان سيد الخلق أن يكون وصياً على الناس فى الدين. وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر» (الغاشية: 21، 22)، وقال أيضاً: «ما على الرسول إلا البلاغ» (المائدة: 99). وإذا كان التذكير والإبلاغ هو وظيفة الرسول، فهل يصح لمن دونه أن يكون وصياً دينياً على الناس يحملهم على فهمه وثقافته؟ سوف نعالج قضية التشدد أو المبالغة المكروهة فى الصوم من خلال تحليل الفقهاء للأوامر والنواهى الواردة فى التضييق على المزايدين فيه.
أولاً: الأوامر فى وصف الصوم الشرعى من تعجيل الفطر وتأخير السحور، ومنها:
1- ما أخرجه البخارى ومسلم عن سهل بن سعد، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر». وأخرجه أحمد بسند فيه مقال عن سهل، بلفظ: «لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور».
2- وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل».
3- وأخرج مسلم عن عمرو بن العاص، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر».
4- وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وأبوداود بإسناد حسن عن أبى هريرة، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر. إن اليهود والنصارى يؤخرون».
ومع وضوح هذه النصوص الشرعية فى تعجيل الفطر وتأخير السحور للصائم، ومع بيان القرآن الكريم فى وقت الصيام الشرعى فى قوله تعالى: « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ» (البقرة: 187). إلا أننا وجدنا الفقهاء قد تعددت فهومهم؛ لاعتقادهم أن المسئولية الدينية ترجع إلى الفهم والاقتناع ولا ترجع إلى مطلق النص الذى يحمل معانى متعددة، فليس أحد هذه المعانى أولى بالاتباع من المعنى الآخر إلا باطمئنان قلب المتدين لنفسه. لذلك كان من حق كل إنسان أن يتعرّف على أقوال الفقهاء فى تعجيل الفطر وتأخير السحور. ونحاول إيجازها سريعاً:
(1) أما السحور، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تأخيره يبدأ من نصف الليل الأخير إلى طلوع الفجر. وذهب بعض الحنفية والشافعية إلى أن تأخيره يبدأ من السدس الأخير من الليل حتى طلوع الفجر.
(2) وأما الفطر، فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن تعجيله يبدأ من مغيب الشمس وهو عند قيام المؤذن بالإعلان. وحكى ابن حزم فى كتابه «المحلى» أن أبا موسى الأشعرى يرى أن الفطر يبدأ حين تبدو الكواكب. قال ابن حزم: ولا نقول بهذا.
ثانياً: النواهى فى وصف الصوم الشرعى من الوصال فيه، ومنها:
(1) ما أخرجه البخارى عن أبى هريرة، أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل، فقال صلى الله عليه وسلم: «وأيكم مثلى إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى». فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: «لو تأخر الهلال لزدتكم. كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا».
(2) ما أخرجه البخارى عن أبى سعيد الخدرى، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر». قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: «لست كهيئتكم. إنى أبيت لى مُطْعِم يُطعمنى، وساقٍ يسقينى».
ومع وضوح النهى عن الوصال إلا أن الفقهاء اختلفوا فى تحديد معنى الوصال المنهى عنه فى الصوم، كما اختلفوا فى حكم وصال اليومين والaثلاثة للمكلف، كما اختلفوا فى حكم الوصال إلى السحر مع إذن النبى، صلى الله عليه وسلم الصريح فيه.
(1) أما تفسير الوصال فى الصوم ففيه ثلاثة مذاهب فى الجملة.
أ- جمهور الفقهاء يرى: أن المقصود بالوصال فى الصوم هو عدم الفطر بأى مفطر عند مغيب الشمس سواء بالأكل والشرب أو بالرفث إلى النساء، بل يستمر على صومه يومين فأكثر.
ب- بعض الشافعية يرى: أن المقصود بالوصال فى الصوم هو عدم الفطر بالطعام والشراب فقط عند مغيب الشمس، بل يستمر على صومه يومين فأكثر لا يأكل ولا يشرب، وإنما يمكن أن يلتقى مع زوجته، فهذا لا يقطع الوصال عند هؤلاء الفقهاء من الشافعية.
ج- بعض الحنفية يرى: أن المقصود بالوصال فى الصوم هو أن يصوم الدهر، يعنى طوال السنة حتى الأيام المنهى عن الصيام فيها مثل العيدين، لكنه يفطر يومياً بعد مغيب الشمس. ولكن هذا التفسير الوارد عند بعض الحنفية يجعل الوصال من مسائل صوم الدهر وصوم الأيام المنهى عنها، وهذه مسألة لها باب آخر هو باب الأيام المنهى عن صيامها.
(2) وأما حكم وصال اليومين والثلاثة فى الصيام للمكلف فقد اختلف فيه الفقهاء على ثلاثة مذاهب.
المذهب الأول: يرى أن وصال صوم اليومين والثلاثة حرام، حتى لو كان قادراً عليه. وهو مذهب الظاهرية والأصح عند الشافعية؛ للنهى الصريح عنه فى الأحاديث الصحيحة.
المذهب الثانى: يرى أن وصال صوم اليومين والثلاثة حرام لغير القادر، ومكروه للقادر عليه. وهذا مذهب جمهور الفقهاء قال به الحنفية والمالكية والحنابلة؛ لأن النبى، صلى الله عليه وسلم، ترك بعضهم يواصل معه كالمنكل بهم، فلو كان حراماً لمنعهم من الوصال.
المذهب الثالث: يرى أن وصال اليومين والثلاثة للقادر عليه سنة يؤجر فاعلها. وهو قول بعض الصحابة والتابعين منهم عبدالله بن الزبير، وأخت أبى سعيد الخدرى، ومن التابعين عبدالرحمن بن أبى نعيم، وعامر بن عبدالله بن الزبير وأبوالجوزاء وإبراهيم بن يزيد التيمى. وحجتهم أن النبى صلى الله عليه وسلم واصل ببعض أصحابه لما رآهم قادرين.
(3) وأما حكم الوصال إلى السحر للصائم فقد اختلف فيه الفقهاء على مذهبين.
يرى جمهور الفقهاء: أن الوصال إلى السحر للصائم مكروه؛ لاستحباب تعجيل الفطر.
وذهب الحنابلة: إلى جواز الوصال إلى السحر؛ لحديث أبى سعيد الخدرى عند البخارى أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر».
بهذا العلم والتنوير يتمكن المكلف من أن يكون سيد قراره فى الاختيار الفقهى، ولا يترك نفسه للمفتئتين الذين يحرمونه حق السيادة على نفسه بالاختيار لها.
وإلى لقاء جديد غداً بإذن الله مع أنبوشة فقهية أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.