إعلان الكشوف النهائية لمرشحي انتخابات مجلس الشيوخ بالقليوبية    وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية ومحافظ كفر الشيخ يفتتحون المرحلة الأولى من تطوير مسجد إبراهيم الدسوقي    توقيع اتفاقية تعاون بين جامعتي المنصورة ومانشستر في الصيدلة الإكلينيكية    لموظفي العام والخاص.. موعد إجازة ثورة 23 يوليو والمولد النبوي    وزيرة التخطيط تعقد اجتماعًا موسعًا مع منظمات الأمم المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية والدول الصديقة    مصرع عامل في حريق اندلع داخل 3 مطاعم بمدينة الخصوص    معهد الخدمات المالية يوقع مذكرة تفاهم مع كلية Bayes للأعمال بلندن لتأهيل كوادر قطاع التأمين    جهاز تنمية المشروعات ينفذ خطة طموحة لتطوير الخدمات التدريبية للعملاء والموظفين    اتصال بين بابا الفاتيكان ونتنياهو غداة الضربة الإسرائيلية على الكنيسة في غزة    إنفوجراف| مصر ووزراء خارجية 10 دول يؤكدون دعم وحدة سوريا وسيادتها    بريطانيا تفرض عقوبات على مسئولين روس بسب الهجمات السيبرانية وهجمات "السم"    ملامح الصفقة التبادلية بين الزمالك والجونة لضم محمد علاء    مانشستر يونايتد ينهي ثالث صفقاته الصيفية    مانشستر يونايتد يقترب من ضم مبيومو    بقيمة 5 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار غير المشروع في النقد الأجنبي    مصرع شخص وإصابة آخر في انقلاب سيارة ملاكي بالشرقية    ننشر اللحظات الأولى ل«حريق الخصوص» بالقليوبية| فيديو    فتح طريق الأوتوستراد بعد انتهاء أعمال الإصلاح وعودة المرور لطبيعته    "الإسكان" تسلم "الثقافة" أول موقع لمشروع "المقهى الثقافي – Café Cultural" بمدينة العلمين الجديدة    وسط أجواء احتفالية وإقبال كبير.. انطلاق الموسم الخامس من مهرجان "صيف بلدنا" بمطروح    فيلم "ريستارت" يحافظ على المركز الرابع في شباك التذاكر    متحدث يونيسف ل"القاهرة الإخبارية": هناك طفل يموت كل ساعة فى قطاع غزة    السبكي: "السويس الطبي" أول مستشفى ذكي بتقنية الجيل الخامس ب"التأمين الشامل"    إيطاليا: كنائس القدس قدمت 500 طن من المساعدات إلى غزة    مصر تكثف اتصالاتها لخفض التصعيد بالمنطقة    زلزال بقوة 4 درجات يضرب مدينة نابولي    صافي أرباح 24 مليون يورو.. ريال مدريد يكشف تفاصيل ميزانيته ل 2024-2025    نانسي عجرم تتصدر لوحة سبوتيفاي في تايمز سكوير بعد اختيارها سفيرة ل EQUAL Arabia    نجمهم خفيف.. مواليد 3 أبراج معرضون للحسد دائما    كيان وهمي وشهادات مزورة.. سقوط المتهم بالنصب والاحتيال على المواطنين بالقاهرة    دراسة تربط بين نظافة الفم وخطر الإصابة بالسرطان.. نصائح للوقاية    وزير الخارجية يواصل اتصالاته لخفض التصعيد بين إيران وإسرائيل وتفعيل المسار الدبلوماسي    المشاط تعقد اجتماعًا موسعًا مع منظمات الأمم المتحدة و التمويل الدولية لبحث تنفيذ مخرجات المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية    نصر أبو الحسن وعلاء عبد العال يقدمون واجب العزاء في وفاة ميمي عبد الرازق (صور)    عاشور وناجي في القائمة النهائي لحكام أمم إفريقيا للمحليين    مجلس الوزراء: إعلانات طرح وحدات سكنية بالإيجار التمليكي مزيفة ووهمية    أسرار فيلمي صراع في النيل وحبي الوحيد    ما الحكمة من مشروعية صلاة الجمعة في جماعة؟.. الإفتاء توضح    استقرار أسعار النفط وسط هجمات كردستان ومخاوف الرسوم الجمركية    التعليم العالي: 40 ألف طالب يسجلون في يوم واحد باختبارات قدرات الجامعات    الرعاية الصحية وهواوي تطلقان أول تطبيق ميداني لتقنيات الجيل الخامس بمجمع السويس الطبي    الكشف المجاني على 480 مواطنا بقافلة قريتي الروضة ببئر العبد والميدان بالعريش    قبل ترويجها للسوق السوداء.. ضبط 4 طن من الدقيق الأبيض والبلدي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 18-7-2025 في محافظة قنا    مانديلا العرب ينال حريته.. فرنسا تفرج عن جورج عبد الله.. اعرف قصته    خان يونس تحت النار.. مجازر جديدة بحق النازحين في غزة وسط تصعيد إسرائيلي    "كل ابن آدم خطاء".. مروان حمدي يعتذر لجماهير الإسماعيلي    «أمن المنافذ» يضبط قضيتي تهريب ويحرر 2460 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن اعتماد وحدة السكتة الدماغية كمركز دولي من "WSO" العالمية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فشكراً أشرف!?    رابط تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. قائمة كاملة بالكليات والمعاهد المتاحة لطلاب دبلوم صنابع    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة 18-7-2025    موعد إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025 برقم الجلوس عبر الموقع الرسمي للوزارة    الهاني سليمان: الأهلي لا تضمنه حتى تدخل غرف الملابس.. والزمالك أحيانا يرمي "الفوطة"    هل تعد المرأة زانية إذا خلعت زوجها؟ د. سعد الهلالي يحسم الجدل    أبرزها حبس رجال الأعمال.. وزير العمل يوضح كيف اعترض النواب على قانون العمل الجديد    «حزب الوفد مذكور في القرآن».. مظهر شاهين يهاجم يمامة: كتاب الله ليس وسيلة للدعاية    حان وقت الانتهاء من المهام المؤجلة.. برج العقرب اليوم 18 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام ورد النهى عن صيامها
نشر في الوطن يوم 11 - 07 - 2014

أمرنا القرآن الكريم بصيام شهر رمضان إلا فى حال المرض وحال السفر. ولكن القرآن لم يمنعنا من صيام أى يوم آخر بعد رمضان من باب فعل الخير. ثم جاءت السنة عن طريق الرسول، صلى الله عليه وسلم، لتوضح لنا تفصيلات مهمة. منها النص على أيام معينة نهى صلى الله عليه وسلم عن صيامها، ومن ذلك يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق (ثانى وثالث ورابع أيام الأضحى)، ويوم الشك (وهو 30 شعبان والجو غيم يخفى رؤية الهلال إن كان قد ولد). والفقهاء قد حاروا فى فهم النهى الوارد عن صيام هذه الأيام؛ لأن الصوم عبادة كبيرة، فالصائم يترك الطعام والشراب والشهوة من أجل الله، فهل يعقل أن يغلق الله باب القبول والعبد أتى له طائعاً؟ لكن من الجهة الثانية نلاحظ أن الذى نهى عن صيام هذه الأيام هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أمرنا الله تعالى بطاعته؛ لأنه هو المسئول عن إبلاغنا تفاصيل الدين. قال تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (الحشر: 7). كيف ينهانا الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن صيام أيام معينة ونحن نصر على صيامها بزعم زيادة الثواب، فهل يتأتى الثواب للعصاة؟ لكن بقى احتمال أن يكون النهى عن الصيام فى هذه الأيام لعلة خاصة، أو لمناسبة معينة وليس حكماً عاماً. لذلك اختلف الفقهاء فى دلالة النهى عن صيام الأيام التى ورد النهى عن صيامها، فذهب بعضهم إلى القول بأن النهى معناه التحريم أى أن صيام هذه الأيام حرام. وذهب بعضهم إلى القول بأن: النهى فى مناسبة الصوم معناه الكراهة؛ لأن الصوم عبادة تستحق الثواب، فإذا قلنا النهى معناه التحريم، والتحريم يستوجب العقاب، فكيف يكون الشىء الواحد (وهو صيام أيام التشريق مثلاً) يستحق صاحبه الثواب، ويستحق أيضاً العقاب. لذلك قالوا إن صيام هذه الأيام مكروه وليس حراماً؛ لأن فعل المكروه لا يرتب عقاباً، وإن كان يقلل من ثواب الصوم.
هذا الاختلاف فى ترجمة نهى الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن صيام الأيام المنهى عن صيامها بين أن يكون المقصود من النهى التحريم، وبين أن يكون المقصود منه بيان الكراهة ينطبق على كل الأيام التى ذكرناها إلا العيدين الفطر والأضحى. فكل الفقهاء اتفقوا على أن النهى عن صيامها للتحريم؛ لخصوصية هذين اليومين. ومع ذلك فلو أن مسلماً صامهما فأبوحنيفة يقول يكون صومه صحيحاً ولكن عليه إثم المخالفة. وجمهور الفقهاء يقول: صيامه فى العيدين باطل.
كل ما سبق شرحناه بالتفصيل فى أنبوشة سابقة، وفى أنبوشتنا هذه نكمل بيان الأيام التى ورد النهى عن صيامها، وهى: إفراد صيام أيام الجمعة أو السبت أو الأحد، وصيام الدهر كله، وصيام النصف الثانى من شعبان.
(1) أما صيام يوم الجمعة منفرداً، فيدل على النهى عن صيامه، حديث أخرجه مسلم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده». وفى رواية أخرى عنه فى صحيح مسلم أيضاً: «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون فى صوم يصومه أحدكم». وأخرج الشيخان عن محمد بن عباد بن جعفر أنه سأل جابر بن عبدالله، وهو يطوف بالبيت: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ فقال: نعم ورب هذا البيت.
أرجو أن نتأمل فى هذا النهى وصراحته عن صوم يوم الجمعة منفرداً، والثابت فى الصحيحين، هل منع الفقهاء من الاجتهاد فيه وإعمال عقولهم فى التحليل والتأويل بالقدر الذى تسمح به قواعد اللغة ويظهر الإسلام فى صورة جميلة تتفق مع مقاصده؟ أبداً، بل إن الفقهاء يرون الاجتهاد فى فهم النص واجب؛ لأن الامتثال فرع عن الفهم، وكلما تعددت الفهوم اتسعت أوجه الامتثال. ويمكن إجمال أقوال الفقهاء هنا فى ثلاثة مذاهب.
المذهب الأول: يرى أن إفراد يوم الجمعة بصيام حرام وباطل لا يصح إلا أن يشفعه بيوم قبله أو بعده. ولو نذر أن يصوم يوم الجمعة منفرداً فنذره باطل. وهذا مذهب الظاهرية والهادوية وبه قال ابن المنذر وأبوجعفر الطبرى، وحكاه ابن حزم عن النخعى والشعبى وابن سيرين وغيرهم. وحجتهم ظاهر النهى الوارد عن إفراد يوم الجمعة بصيام. وأخرج الشيخان عن جويرية بنت الحارث أن النبى، صلى الله عليه وسلم، دخل عليها فى يوم جمعة وهى صائمة فقال: «أصمت أمس»؟ قالت: لا. قال: «أفتريدين أن تصومى غداً»؟ قالت: لا. قال: «فأفطرى إذن». فأفطرت.
المذهب الثانى: عكس المذهب الأول، يقول: يستحب صيام يوم الجمعة ولو منفرداً. وهذا قول أبى حنيفة ومحمد بن الحسن الشيبانى، وهو المذهب عند المالكية. وحجتهم أن النهى عن إفراد يوم الجمعة بصيام من باب النصيحة للأكمل، وهذا لا ينفى فضل صيام يوم الجمعة استقلالاً؛ لأنه أفضل أيام الأسبوع، كما أخرج مسلم عن أبى هريرة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة. فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها». ولهذا رأينا ابن عمر -كما أخرجه الطحاوى- سئل عن صوم يوم الجمعة ويوم عرفة، فأمر بصيامهما. وأخرج ابن أبى شيبة عن ابن عباس وابن عمر قال كل منهما: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطراً يوم الجمعة قط.
المذهب الثالث: يرى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصيام. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وهو قول أبى يوسف من الحنفية. وحجتهم الجمع بين أدلة المخالفين، ولأن يوم الجمعة شبيه بيوم العيد، فقد أخرج ابن حبان بسند صحيح عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا يوم الجمعة فإنه يوم عيد إلا أن تصلوه بأيام»، وأخرجه أحمد عن أبى هريرة بلفظ: «إن يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده».
ولإجمال الآراء فى صيام يوم الجمعة منفرداً نجد الحنفية والمالكية يستحبون صيامه. ونرى الظاهرية والهادوية يحرمون صيامه. ونجد الشافعية والحنابلة يكرهون صيامه. وكل مذهب مقنع بحجته؛ حتى يستمتع عوام الناس بالاختيار الذى يريح قلب كل واحد منهم، ولا يقع فريسة لمن يفتئت عليه.
(2) وأما صيام يوم السبت منفرداً فيدل على النهى عن صيامه حديث أخرجه ابن حبان، وأحمد، وابن ماجة، والترمذى وأبوداود بإسناد صحيح عن الصماء بنت بسر، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم. فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب (أى قشر شجر العنب) أو عود شجرة فليمضغها». وفى رواية: فليفطر عليه». ومع وضوح هذا النهى وتأكيده إلا أن الفقهاء اختلفوا فى حكم إفراد يوم السبت بصيام على مذهبين.
المذهب الأول: يرى كراهة إفراد يوم السبت بصيام. وهو مذهب الجمهور؛ عملاً بالنهى الوارد فيه من حديث الصماء بنت بسر. وقالوا: إن النهى للكراهة وليس للتحريم؛ لشبهة تعظيم يوم اليهود وليس لذات النهى فى الحديث؛ لأن أبا داود بعد إخراجه لحديث الصماء قال: وهو منسوخ. يقول الصنعانى فى «سبل السلام»: والذى نسخ حديث الصماء هو حديث أم سلمة الذى أخرجه أحمد وابن حبان وصححه ابن خزيمة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد، ويقول: «إنهما عيدان للمشركين فأحب أن أخالفهم».
المذهب الثانى: يرى عدم كراهة إفراد يوم السبت بصيام، بل هو مستحب. وهو مذهب الإمام مالك؛ لحديث أم سلمة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد.
بالتأكيد بعد ذكر المذهبين سيكون المكلف سيد قراره فى اختيار المذهب الذى يطمئن إليه قلبه وتستريح إليه نفسه، ولن يكون تابعاً لمن يفتئت عليه بأحد هذين المذهبين دون الآخر.
(3) وأما صيام يوم الأحد منفرداً فلم يرد بشأنه نهى خاص عن صومه إلا أن الحنفية والشافعية والحنابلة أجروا عليه حكم يوم السبت من الكراهة؛ لتعظيم المسيحيين له خلافاً للمالكية الذين قالوا: إنه كسائر الأيام، ولا وجه لإلحاقه بيوم السبت؛ لعدم وجود نص بشأنه.
(4) وأما صيام الدهر فيدل على النهى عنه حديث البخارى ومسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا صام من صام الأبد». وفى صحيح مسلم عن أبى قتادة الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام الدهر؟ فقال: «لا صام ولا أفطر. أو ما صام ولا أفطر». ومع هذا الوضوح فى النهى عن صيام الدهر إلا أن الفقهاء اختلفوا فى حكمه على ثلاثة مذاهب.
المذهب الأول: يرى تحريم صيام الدهر ولو كان قادراً على الاستمرار فى الصوم؛ للنهى عنه. وهو مذهب الظاهرية، وهو اختيار ابن خزيمة وابن العربى. قال الصنعانى فى «سبل السلام»: وهو الأوجه دليلاً. وحجتهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عن من يريد صوم الدهر: «لا صام ولا أفطر». يقول ابن العربى: «إن كان كلام النبى صلى الله عليه وسلم «لا صام ولا أفطر» دعاء فيا ويح من دعا عليه النبى صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه النبى صلى الله عليه وسلم أنه لم يصم. وإذا لم يصم شرعاً فكيف يكتب له ثواب».
المذهب الثانى: يرى مشروعية صيام الدهر للقادر عليه دون كراهة. وهذا مذهب الحنابلة واختاره ابن المنذر. وحجتهم أن النهى عن صوم الدهر خاص بالضعفاء غير القادرين. أما القادر فلا يحرم نفسه من عبادة الصوم؛ خاصة أن النبى، صلى الله عليه وسلم، ضرب المثل بصوم الدهر فى حديث أخرجه مسلم عن أبى أيوب الأنصارى، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر». قالوا: فلا يمكن ضرب المثل بصيام الدهر إلا إذا كان مشروعاً؛ خاصة وقد أخرج ابن السنى بسند ضعيف عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «من صام الدهر فقد وهب نفسه من الله عز وجل».
المذهب الثالث: يرى كراهة صوم الدهر للقادر عليه. وهو مذهب الحنفية وأكثر الشافعية وابن قدامة الحنبلى. وحجتهم أن أحاديث النهى عن صوم الدهر محمولة على معنى الكراهة خشية الضعف العام عن أداء الفرائض والواجبات وكسب المعايش.
وبعد معرفة المكلف لمذاهب الفقهاء فى حكم صوم الدهر، وأنه حرام عند الظاهرية، ومكروه عند الحنفية والشافعية. وجائز بدون كراهة عند الحنابلة، فإنه سيملك قرار نفسه فى اختيار القول الذى تروق نفسه المؤمنة إليه حتى يمتنع الأوصياء الدينيون.
(5) وأما صيام النصف الثانى من شعبان، فيدل على النهى عنه ما أخرجه أبوداود عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا». وأخرجه ابن حبان بلفظ: «لا صوم بعد النصف من شعبان حتى يجىء شهر رمضان». ومع وضوح النهى عن الصوم إذا انتصف شعبان إلا أن الفقهاء اختلفوا فى حكمه على أربعة أقوال.
القول الأول لابن حزم الظاهرى، قال: يحرم صيام يوم السادس عشر من شهر شعبان فقط؛ لأن النبى، صلى الله عليه وسلم، نهى عن صوم اليوم الذى يلى النصف من شعبان فى الوقت الذى كان يكثر من الصيام فى شعبان، فقد أخرج أبوداود بإسناد صحيح عن أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان. وأخرج مسلم عن عائشة قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته فى شهر أكثر منه صياماً فى شعبان».
القول الثانى لأكثر الشافعية، قالوا: يحرم صيام النصف الثانى من شعبان كله؛ لعموم النهى فى الحديث، ولأنه ربما أضعف الصائم عن صيام رمضان.
القول الثالث للحنابلة وبعض الشافعية، قالوا: يكره صيام النصف الثانى من شعبان؛ لتفسير النهى بالكراهة وليس التحريم؛ خوفاً من الضعف عن صوم رمضان.
القول الرابع للحنفية والمالكية، قالوا: يجوز صيام النصف الثانى من شعبان بدون كراهة بل يستحب كسائر شعبان؛ لما أخرجه البخارى ومسلم عن عمران بن حصين، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يا فلان أما صمت سرر هذا الشهر»؟ (يعنى شعبان، والسرر هى نصف الشهر أو آخره) قال الرجل: لا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «فإذا أفطرت رمضان فصم يوماً أو يومين». قالوا: والسرر هو الوسط، وسرار الشهر وسطه عند بعض أهل اللغة. وإن كان الأكثرون يرون أن المراد من السرر هو آخر الشهر. سمى بذلك لاسترسال القمر.
إن من يعرف هذه الأقوال المفسرة للنهى الوارد عن صيام الدهر أو الصيام إذا انتصف شعبان فإنه سيحمى نفسه من المفتئتين، وسيستمتع بحق الاختيار الذى يناسب حاله؛ لأنه الأعلم بها من سائر الخلق.
وإلى لقاء جديد غداً بإذن الله تعالى مع أنبوشة فقهية أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.