عندما تستمع إلى ألحان عذبة تمس القلوب، يتصدرها صوت العود يحتضن أنغام الكمان وأحزان الناي وبهجة آلة الأورج وأخواتها، إذن أنت تستمع إلى "تترات عمار الشريعي" التي قصَّت أروع حكايات مسلسلات رمضان التي اهتزَّت لها جوانب الوطن العربي، وتحوَّلت تتراتها من كونها مقدمات موسيقية تستخدم كأداة مصاحبة تستخدم لكتابة أسماء صانعي العمل، إلى شهادة ميلاد حقيقية وأوراق اعتماد للمسلسل في قلوب الجماهير. رحلة الموسيقار عمار الشريعي لا تحتاج إلى الكثير من تسليط الضوء عليها، فهو ذلك الكفيف الذي ترجمت موسيقاه أعقد المشاهد الدرامية التي ربما تعجز الأعين عن وصفها، لحَّن ما يزيد عن 300 عمل لأغلب مطربي جيله في مصر والعالم العربي، علاوة على قيامه بتلحين تترات أكثر من 150 مسلسلًا تليفزيونيًا وصياغته للموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية أبرزها: "البريء، كتيبة الإعدام"، فضلًا عن عشرات المسرحيات والأعمال الإذاعية. فرقة "الأصدقاء الغنائية" التي كوَّنها عمار مع عدد من المطربين الشباب، قامت بعمل أروع الأغاني في حب مصر أبرزها: "الحدود، حبيبتي من ضفايرها"، وحاول من خلالها مزج الأصالة بالمعاصرة وخلق غناء جماعي يتصدى لمشاكل المجتمع في تلك الفترة، ولم ينسَ الشريعي أغاني الأطفال فقام بعمل احتفالات عيد الطفولة لمدة 12 عامًا متتالية، وشارك في هذه الأعمال مجموعة من كبار الممثلين والمطربين مثل عبدالمنعم مدبولي، نيللي، صفاء أبوالسعود، لبلبة، عفاف راضي. ومن الملفت أن الشريعي، الذي صاغ أعزب الألحان في حب مصر، حصل على العديد من الجوائز الدولية أبرزها جائزة مهرجان "فيفييه"، سويسرا عام 1989، ووسام التكريم من الطبقة الأولى من السلطان قابوس بن سعيد، سلطنة عمان مرتين، وسام التكريم من الطبقة الأولى من الملك الأردني عبدالله بن الحسين، في حين كان تكريمه من مصر مقتصرًا على جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2005، وجوائز الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما والمركز الكاثوليكي للسينما، ومهرجان الإذاعة والتليفزيون عن الموسيقى التصويرية للمسلسلات من عام 1977 حتى عام 1990، دون أن يتم إعطاؤه "وسام الدولة للطبقة الأولى" حتى بعد وفاته. "عمار الشريعي وسيد حجاب"، ثنائي فني بات مضرب الأمثال في روعة تترات المسلسلات، يشهد على إبداعاتهما تترات "الشهد والدموع، العائلة، الليل وآخره، أرابيسك، حدائق الشيطان"، وكان له مع الشاعر عبدالرحمن الأبنودي رحلة قصيرة في عالم التترات التليفزيونية، إلا أن "عبدالله النديم، أبوالعلا البشري، الرحايا، شيخ العرب همام" كانت كافية بجعلها أحد أشهر الرحلات في عالم الغناء الدرامي. "حديث الصباح والمساء"، كانت عذوبة أعمار الشريعي في مقدمة المسلسل ونهايته سببًا في نجاح المسلسل بذات القدر الذي ساهم به أبطال العمل، وإذا انتقل الحديث إلى مدينة الإسكندرية فلا بد أن يستدعي الذهن تلك النغمات التي صحبها صوت المطرب محمد الحلو يشدو "وعمار يا إسكندرية، يا جميلة يا مرية، وعد ومكتوب عليها ومسطَّر على الجبين". الموسيقى التصويرية المنفردة لم تفقد حظها من حب الجماهير، حيث ارتبط حب الوطن والتضحية من أجله بموسيقى مسلسل "رأفت الهجان"، وتجلَّت ملامح الرومانسية في أبهى صورها في موسيقى "لا"، فضلًا عن حالة الإشباع الموسيقية التي قدَّمتها موسيقى مسلسليّ "الزيني بركات ومحمود المصري"، والحالة الإيمانية التي انبعثت من مسلسل "رجل الأقدار" عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص. مسلسل "أهل الهوا" عن قصة حياة سيد درويش، كان المشروع الموسيقي الذي لم يمهل الموت عمار أيامًا لاستكماله، ليفوِّت عليه فرصة استكمال سلسلة تترات مسلسلات السير الذاتية التي وضع موسيقاها وألحانها وعلى رأسها "أم كلثوم، العندليب، هارون الرشيد، عمر بن عبدالعزيز"، ويأتي ثاني المواسم الرمضانية مفتقدًا لأنغام الشريعي التي صاحبته على مدار أكثر من ال40 عامًا.