خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان فى أحسن صورة وحال: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»، وكرمه على سائر المخلوقات: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا». وهذا التكريم يتوجّب أن يحصل عليه الإنسان لإنسانيته، بغضّ النظر عن دينه وعرقه ولغته وأيديولوجيته ووضعه الطبقى ولون بشرته، فالآية القرآنية واضحة فى هذا الشأن ولا تحتاج إلى أى تأويلات معوجة، فهى تتحدث عن «تكريم بنى آدم»، وتساوى بين أبناء البشر فى ذاتيتهم الإنسانية. ومن ثم فإن أى مقولات تسعى إلى تجزئة كرامة البشر التى منحها الله إياهم، أو تحاول أن تخصها فى أتباع ديانة بعينها، أو فى المؤمنين من دون غيرهم. وترتبط كرامة الإنسان فى القرآن بثلاثة أمور مهمة، الأول هو أن الإسلام يقر خلافة الإنسان لله: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (البقرة 30)، والثانى هو أن الإنسان يحمل الأمانة من قِبَل الله سبحانه وتعالى: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا» (الأحزاب 72). أما الثالث فيتعلق بعدم وجود أى حائل بين الإنسان وربه فى الإسلام، فهو دين لا يعرف وساطة بين الأرض والسماء، ولا يعرف الكهنوت، ويقر بوجود رباط وثيق بين الله وبين الإنسان، وهو ما تعبر عنه الآية الكريمة: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ» (الأعراف 172). ويرى محمد عبدالله دراز أن الكرامة التى يقرها الإسلام للإنسان ليست كرامة مفردة، إنما هى كرامة ذات أبعاد ثلاثة، فهى أولاً عصمة وحماية، وعزة وسيادة، واستحقاق وجدارة، وهى ثانياً مستمدة من طبيعة الإنسان، تتغذى من عقيدته: «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ» (المنافقون 8)، وهى ثالثاً كرامة يستوجبها الإنسان بسعيه وعمله وجهده واجتهاده: «وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا» (الأحقاف 19). ويقول عبدالله دراز فى معرض تأكيده رؤية الإسلام للكرامة الإنسانية: «إنها قبل كل شىء سياج من الصيانة والحصانة، هى ظل ظليل ينشره قانون الإسلام على كل فرد من البشر، ذكراً أو أنثى، أبيض أو أسود، ضعيفاً أو قوياً، فقيراً أو غنياً، من أى ملة أو نحلة.. إنها ظل ظليل ينشره قانون الإسلام على كل فرد يصون به دمه دون أن يسفك، وعرضه دون أن ينتهك، وماله دون أن يغتصب، ومسكنه أن يقتحم، ونسبه أن يبدل، ووطنه أن يخرج منه أو يزاحم عليه، وضميره أن يتحكم فيه قسراً، أو تعطل حريته خداعاً ومكراً». وبهذا التكريم تكتمل الإنسانية، وبتلك الكرامة تتحقق الآدمية، ويجد الإنسان متكأً قوياً وعريضاً لنيل كل ما له من حقوق للمواطنة. فالإنسان يتميز عن الحيوان بالكرامة أكثر من تميُّزه بالتفكير. فكل الحيوانات تمتلك قدراً من التفكير والذكاء، يؤهلها لمواجهة أعباء الحياة. وبعض الحيوانات الذكية نسبياً، مثل الشامبنزى تبدو أحياناً أكثر ذكاءً من بعض المعاقين ذهنياً من البشر، ممن يعانون من تخلف عقلى حاد. لكن لا يوجد حيوان مهتم بكرامته، أو يتصرّف على أساس الحفاظ عليها وصيانتها، لأنها غالباً غير موجودة، ربما باستثناء الجمل الذى لا يضاجع أنثاه إلا بعيداً عن الأعين وفى ظلام دامس، ويحتقن من صاحبه إن بالغ فى الإساءة إليه، وقد ينتقم منه حين تحين له الفرصة. (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)