قبل أيام رأى الكاتب والمحلل السياسى العالمى فريد زكريا أن العراق وصلت إلى مفترق الطرق، عندما أصبحت الجماعات الجهادية المعادية للحكومة أقوى مما سبق، واستطاعت تجهيز قواتها بشكل أفضل، وصارت أكثر تنظيماً عما سبق. وكتب زكريا فى صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الجماعات الجهادية حصلت بعد استيلائها على الموصل -ثانى أكبر المدن العراقية- على المزيد من المال والقوة والاستقرار والأسلحة والذخيرة، مما يترك سؤالاً واحداً هو: من الذى خسر العراق؟ وشبّه الوضع الحالى فى العراق بما حدث فى الصين عام 1950، وفيتنام عام 1970، عندما انتشر الفساد فى حكومتى الدولتين، فأصبحتا ضعيفتين جداً ولم تستطيعا التغلب على القوات المعادية لهما. وقبل أسبوع كتب أستاذى ومعلمى الكاتب الصحفى والمحلل السياسى المصرى الكبير عبدالله كمال فى آخر تغريداته على موقع تويتر قبل أن يغيّبه الموت بساعات قائلاً: «المشكلة ليست أن دول أوروبا وأمريكا لا يتعلمون ولا يعرفون ماذا يعنى الشرق.. وإنما المشكلة تكمن فى إجابة سؤال: هل هم يريدون حقا أن يفهموا؟». وأضاف الراحل فى تغريدة أخرى: «التحليلات الأمريكية والأوروبية لما يجرى فى العراق تُظهر أن عشر سنوات من العك المميت لم تعلم هؤلاء الناس أى شىء». وبين بحث فريد زكريا عن جواب لسؤاله وتوصيف العك المميت للأستاذ عبدالله كمال، جاءت القمة المفاجئة بين الرئيس عبدالفتاح السيسى وخادم الحرمين الشريفين.. قمة حلفاء حرب لإدارة إقليم يشهد معتركه الأكبر من جراء سنوات العك المميت للولايات المتحدة والغرب عامة فى منطقة الشرق الأوسط. نعم هو تحالف حرب كما أراه، يحمل فى طياته معانى نبيلة من أخوة ومصير مشترك وعروبة وما إلى ذلك، ولطالما وُصفت هذه العلاقة بأنها دعامة الاستقرار فى الشرق الأوسط وصمام أمان للأمن القومى العربى.. ولكن، فى مشهدها الحالى هى «تحالف حرب» فى منطقة وهنت سواعدها القوية وبات عليها أن تستفيق من غفلتها.. الأمر لا يتوقف عند العراق، بل يطول المشرق العربى.. من العراق إلى سوريا ولبنان، ومن خلف ذلك تقف إيران بأطماعها الإقليمية المحفوظة.. هذه الحرب إن لم يتم السيطرة عليها وهذا «العك المميت» إذا لم يتم مواجهته ودحض آثاره.. ستدخل المنطقة كلها فى صراع يستنزفها لعقود طويلة مقبلة. وفى هذا المشهد كله تجرى رحلة البحث عن شخص معنوى تائه، خرج ولم يعد، اسمه جامعة الدول العربية.. أين هى؟ أين صوتها؟ أين رؤيتها؟ أين تحركها؟ هل ما زال حاضراً فى ذهنها مفهوم الأمن القومى العربى؟ قد نعطيها العذر فى السنوات القليلة الماضية بأن مخطط تدمير الشرق كان أكبر منها ومن إمكانيتها ومن إرادة أعضائها، ولكن الآن.. أين هى فى مرحلة مواجهة المخطط وهزيمته؟ أخشى أن يسجل التاريخ أن الدبلوماسى المخضرم الدكتور نبيل العربى هو آخر أمين عام للجامعة العربية لأن استمرار أداء الجامعة بهذا الشكل يقود، بما لا يدع مجالاً للشك، إلى انهيار المنظمة الإقليمية وإنشاء منظمة أخرى بديلة قادرة على القيام بدور فعّال فى مواجهة «العك المميت».