فى لحظات الفوضى تصعب قراءة الأحداث خاصة إذا توقفت أمام أفعال متناقضة تعكس الضبابية وغياب الرشد السياسى، ويزداد الأمر تعقيداً وتشابكاً إذا جاءت هذه المواقف من نخبة متأسلمة كتب لهم القدر أن يوجهوا دفة الأحداث ويصنعوا مستقبل بلاد ترغب فى التحول ولا تجده. والمشهد الأخير لأزمة الفيلم المسىء للرسول صلى الله عليه وسلم، يعود بنا إلى مربع المراهقة التى تمارسها الجماعات السلفية وجماعة الإخوان «المترددين» فى صياغة اتجاهات الرأى العام، وراهن البعض رغم المراهقة على ظهور علامات البلوغ السياسى، لكنها خيبت الظن وعجزت عن تجاوز مرحلة الطفولة السياسية، فإذا وضعت موقفين يرتبطان بالعلاقة مع الغرب وهما على الترتيب القرض الدولى ثم الفيلم المسىء للرسول، لوجدت تذبذباً وتلوناً يشى بالرعونة وغياب الرؤية فضلاً عن التعامل مع التطورات بالقطعة دونما طرح عام للمشكلات واستراتيجية حاكمة لإدارة العلاقة. فمثلاً «الجماعة المترددة» تحركت متأخرة فى الأزمة الأخيرة بعد انتقاد السلفيين لها، ودخلت ساحة المزايدة من بابها الواسع بعد حرجها البالغ ومن ورائها ممثلها فى رئاسة الجمهورية، وأسهمت فى تسخين الأجواء رغم الدعوات الخجولة من بعض قادتها لإحداث التوازن كما فعلت من قبل انطلاق ثورة يناير بطريقة «إحنا معاكم ومش معاكم» أى الإصرار على الانتهازية السياسية حتى ولو كانت على كراسى الحكم. ولم يختلف الشارع فى تناقضه عن حاكميه والمؤثرين فيه، ففى ميدان التحرير تجد علماً فى يد أحدهم عن الجهاد وعلى لسانه سب الدين وسيول من الألفاظ الخارجة، بل إن راديو مصر وثق الأمر بإذاعة هتاف لشخص أمام القنصلية الأمريكية فى الإسكندرية يهتف ابتداء «لا إله إلا الله محمد رسول الله» ثم يتبعه بشتائم شهيرة فى الشارع المصرى تتناول الأعضاء الحميمة للأم. الإعلام الرسمى الذى توجه بإعلان صريح عن نبذ العنف والتعبير السلمى عن مشروعية الدفاع عن الرسول سقط فى فخ العادة ونغمة «الستريو تايب» التى تصاحب الأزمات الطائفية، ومن ثم استدعيت عبارات الوطن الواحد والعنصر الواحد وغيرها من «الكلام الساكت»، وأنهت المنابر الخطاب الرسمى وأسقطته أسفل سافلين، فجاءت خطب الجمعة فى معظم المساجد غاضبة تدعو لغزو بلاد الفرنجة ودفعت الكثيرين إلى الميادين خاصة الصبية الصغار، فكيف بربك يستقبل الحائرين والمحبطين ممن لا يتجاوزون العشرين دعوة حماسية لنصرة الرسول والذهاب إلى الجنة محمولين من أمام السفارة الأمريكية؟ وإذا كان ظهور صور أسامة بن لادن أضفى كثيراً من الدراما على المشهد، فإن القائمين على الأمر، المتناقضين دوماً، الكاذبين كثيراً، يجنون ثمار المراوغة، التى سقطت سريعاً على رأس كل من سقى شجرة الالتواء والكذب وصعد على فروعها إلى سدة السلطة، ومن ثم فنحن على أعتاب مشهد «حماس - القاعدة» العنيف فى قطاع غزة، فالظروف مواتية والتربة معدة، وما حدث فى سيناء مجرد إرهاصة لمرحلة فى حكم يدفع الفواتير ويعشق التناقض وسلاحه الخطابة والارتجال، ولو سألت عاقلاً «كيف تصبح هذا وذاك؟» لقال لك «هذه سمات المنافقين». كيف تدير وطناً يريد التغيير وأنت مشدود بحبال مصلحة الجماعة والرشاوى الانتخابية والاستحواذ والإقصاء؟ لا أعرف لماذا أجد تفسيراً لما يحدث فى مصر بين سطور رواية ماركيز «ذاكرة غانياتى الحزينات» التى يعطى فيها الثرى المسن التسعينى منزله الفخم إلى عاهرة تصغره بأكثر من 70 عاماً بعد علاقة شاذة، فمن يا ترى العاهرة والمسن فى وقتنا الحالى؟ كلمة أخيرة: أخشى أن يكون أبوتريكة المهدى المنتظر، ومن ثم على البلتاجى وصحبه فى «التأسيسية» أن يضعوا مادة فى الدستور تنص على أن يلعب الكرة فى الأهلى مدى الحياة!