إذا كنت من المهتمين بتحليل ما يجرى حولك من أحداث محلية أو دولية، سياسية أو غيرها، وتريد أن تخرج إلى الناس تحدثهم عن نتائج هذا التحليل، فعليك أولاً أن تحدد المنطلق الفكرى الذى ستنطلق منه فى تحليلك. فإذا كان منطلقك سياسياً، فهل أنت أولاً من أهل السياسة؟! هل لديك خبرة فى العمل السياسى؟! هل تعلم جيداً ما يحدث فى (المطبخ السياسى)؟! أما إذا كنت ستنطلق من منطلق إسلامى، فهل تعلم ما هو (الإسلام)؟! هل وقفت على المرجعية الإلهية التى ستستقى منها القواعد التى ستقيم عليها تحليلك؟! ولأننى لا أشتغل بالعمل السياسى، ولا أعلم حقيقة ما يحدث فى (المطبخ السياسى)؛ فسألقى بعض الضوء على ما يحدث الآن فى مصر، من منطلق فهمى للإسلام، ولمرجعيته الإلهية (القرآن الحكيم)، هذا القرآن الذى بيّن أن ما يحدث فى هذا الوجود، يحدث وفق (سنن كونية)، تعمل فى إطار (المشيئة الإلهية). إن السنن الكونية، منظومة إلهية، شملت الوجود كله، وقد جاء القرآن الحكيم ببيانها، ليكون المسلم (المؤمن) على علم بفعالية هذه السنن فى ما يحدث حوله!! إن النصر يكون للمؤمنين، ويكون للكافرين إذا عصى المؤمنون ربهم ولم يأخذوا بسنن وآليات النصر!! إن النصر والهزيمة لا يعرفان الهوية الدينية، و(يُتداولان) بين الناس وفق سنن وآليات النصر، من أخذ بها أعطته، على قدر ما أخذ: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ..»، ثم لله تعالى أن يتدخل لحسم الصراع لصالح المؤمنين (إن استحقوا ذلك)!! وعندما تترك الشعوب الأغنياء (يتداولون) المال بينهم، ولا يجعلون للفقراء منه نصيباً، تفسد الأرض.. ولقد حذر الله تعالى الناس من ذلك: «كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ..». وتارة تكون سعيداً، وأخرى تكون تعيسا.. تارة تكون فى منحة، وأخرى تكون فى محنة؛ فمسار الأيام بين الناس لا يدوم، وهذا بما كسبت أيدى الناس: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ..»!! وعندما يحمل المسلمون ديناً غير الدين الذى أمر الله تعالى باتباعه، ويتحركون به بين الناس باسم (الإسلام)، يتركهم الله لخياراتهم، أما عندما يصل هؤلاء إلى حكم البلاد، ويحكمون الناس بغير الدين الإلهى؛ فلن يتركهم الله يفسدون فى الأرض، وسيجعل السنن الكونية تقوم بعملها، بصرف النظر عن هوية وملة من حمل هذه السنن، وقام بتفعيلها، فأعطته على قدر ما حمل!! لقد خرج الشعب المصرى ليقول نعم ل (الإسلام)، على حين غفلة من أمره، فجاء بالتيارات الدينية لتحكم البلاد، وفق قواعد اللعبة السياسية، وعلى رأسها (الصندوق)!! وبعد عام وجد أن هذا ليس هو (الإسلام)، ففوض الجيش ليخلصه من هذا الحكم، ونجح الشعب والجيش فى ذلك، واختار الشعب رئيساً جديداً للبلاد، وفق قواعد اللعبة السياسية، وعلى رأسها (الصندوق)!! وما على المسلم (المؤمن)، أمام قواعد اللعبة السياسية، إلا أن يحمد الله، أن خلّص البلاد، من حكم قد حذر الله تعالى الناس منه، وهو (الحكم بغير ما أنزل الله)، بصرف النظر عن كيف حدث هذا، وعلى يد من.. فهذا يخص (أهل السياسة).. أما المسلم (المؤمن)، الذى يؤمن أن مرجعية الإسلام هى القرآن، فما عليه إلا أن يتدبر قوله تعالى: «قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ (تُؤْتِى) الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَ(تَنْزِعُ) الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَ(تُعِزُّ) مَنْ تَشَاءُ وَ(تُذِلُّ) مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».