وصل السفير الإسرائيلى الجديد قبل أيام قليلة إلى القاهرة، وصاحب وصوله توترات كثيرة منها ما يتعلق به وبخبراته وتجاربه وتاريخه، ومنها ما يتعلق بالوضع الدبلوماسى عموماً لإسرائيل فى مصر فى تلك الأيام الحرجة من تاريخ مصر. وكان قرار ترشيح الدبلوماسى «حاييم كورين» سفيراً لإسرائيل فى مصر قد صدر فى أواخر أكتوبر الماضى، ولأسباب مجهولة لم يصل السفير إلى القاهرة إلا قبل الانتخابات الرئاسية بأسبوعين. أرجعت إسرائيل تأخر وصول السفير بسبب الاضطرابات التى تمر بها مصر وعدم استقرار وضعها السياسى، وأنه كان من المفترض أن يصل السفير وتبدأ السفارة الإسرائيلية عملها مجدداً فى مصر بعد الانتخابات الرئاسية، ومن ثم اتضاح ملامح السياسة الخارجية المصرية الفترة المقبلة، فيما قالت مصادر إن تأخر وصول السفير، جاء حرصاً على سلامته. حاييم مكث فى القاهرة يومين فقط، وعاد إلى تل أبيب على إحدى طائرات شركة «إير سيناء»، ومن المفترض أنه سيعود مجدداً الأسبوع المقبل، لكنه لن يبدأ عمله رسمياً إلا بعد أسبوعين من الآن، حيث تنتهى إجراءات تعيينه. وإذا كانت ظروف وتوقيت مجىء السفير أثارت عدداً من التساؤلات، فإن هوية السفير الجديد نفسه أثارت تساؤلات أكثر، فحاييم كورين هو رجل المهام الخاصة كما يبدو فى إسرائيل، طبقاً لسيرته الذاتية، التى تشير إلى امتلاكه مهارات خاصة، تقلد بسببها مناصب خاصة. فكورين تخرج من كلية القادة، والأركان الإسرائيلية، ولديه 3 أبناء ويعيش فى القدس، وعمل فى وزارة الشئون الخارجية منذ عام 1985، وهو رئيس قسم الشرق الأوسط، ومدير مركز البحوث السياسية فى وزارة الشئون الخارجية، فى إسرائيل، وشغل مناصب كثيرة فى الوزارة، مثل مدير شعبة التخطيط السياسى، ونائب المتحدث باسم شعبة الصحافة، ورئيس اتحاد العمال، والقنصل المختص بالصحافة والإعلام بالقنصلية العامة لإسرائيل فى شيكاغو، وفى الإسكندرية فى مصر، والسكرتير الثانى فى سفارة إسرائيل، بكاتماندو، ونيبال. وكان أستاذاً بقسم تاريخ الشرق الأوسط فى جامعة حيفا، وله عدة أبحاث فى سوسيولوجيا الإسلام، ووسائل الإعلام العربية، وأيديولوجية الإسلام الراديكالى، وعن المفكرين الإسلاميين، وتفسير الإسلام، والصوفية، والإسلام فى السودان، وأفريقيا، وآسيا، والمواطنين العرب فى إسرائيل. كما أنه عضو مركز دراسات الشرق الأوسط، بجامعة شيكاغو، ورئيس قسم العلوم السياسية ومتخصص فى «السياسة فى الشرق الأوسط» فى جامعة حيفا، حيث يلقى بها محاضرات، ويتحدث العبرية، والإنجليزية، والعربية، والهنغارية بطلاقة ولديه معرفة بالتركية، ويستطيع التمييز بين اللهجات العربية وكان يستدعى عند التحقيق مع الأسرى ليحدد إلى أى الدول العربية ينتمون وإلى أى مناطق من تلك الدول أيضاً. أما عن حكايته مع اللغة العربية، فقال كورين فى أحد لقاءاته الصحفية: «تعلمت العربية بالصدفة، فكنت ضابطاً فى لواء بالجولان، برفقة فريق من الأساتذة العرب وبدأت ألتقط بعض الكلمات العربية، ووقتها كنت بدأت دراستى الأكاديمية، وتخصصت فى دراسات الشرق الأوسط وتعلمت العربية وازددت ممارسة لها عندما عملت قنصلاً فى الإسكندرية». بعيداً عن سيرته الذاتية الممتلئة بالمناصب، والألقاب إلا أنه كان دائماً يثير جدلاً فى كل مكان يذهب إليه، فلم يذهب إلى دولة إلا ولعب دوراً كبيراً فيها، فعقب إعلان انفصال جنوب السودان فى يوليو 2011 أعلنت إسرائيل اعترافها بدولة الجنوب، ويومها كلفت دان شهام، سفيراً غير مقيم لها فى عاصمة جنوب السودان، جوبا، على أن يساهم فى تطوير العلاقات بين البلدين، إلا أن شهام لم يبق إلا أشهر معدودة، وسرعان ما اتخذت إسرائيل قراراً آخر بتسمية سفير جديد؛ وعليه كان واضحاً أن مهمة السفير كانت تأسيس وبناء علاقات ذات طابعٍ خاص، إذ عمل «دان» على ترتيب العلاقات وتدشينها مع الجنوب، لفترة انتقالية حتى تستقر فيها أوضاع الجنوب، بحيث يمكنها استقبال سفير لها مقيم فى جوبا، وفى العاشر من يناير 2012 أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، حايم كورين سفيراً غير مقيم لإسرائيل فى جوبا، خلفاً لدان شهام، وجاء حاييم بعد أن أبرم شهام عدداً من الاتفاقيات مع نائب رئيس جمهورية جنوب السودان والرجل الأقوى فى الحركة الشعبية ريك ماركر فى جوبا، واتفق على بناء سفارة لجنوب السودان فى القدس، وليس فى العاصمة السياسية تل أبيب، ما يشير إلى وقوف جنوب السودان جنباً إلى جنب مع إسرائيل، إضافة لاتفاق آخر تتولى بموجبه إسرائيل تدريب وتأهيل اللاجئين الجنوب سودانيين قبل مغادرتهم لجوبا على مختلف المهن، والأعمال، وإنشاء مدرسة عبرية فى جوبا لاحتواء اللاجئين الجنوب سودانيين وإبقاء التواصل بينهما بعد سفرهم من إسرائيل، الاتفاق والاستعانة بالخبرات الإسرائيلية الشرطية فى نزع السلاح من السكان المدنيين والقبائل الجنوبية، خصوصاً فى منطقة ولاية جونجلى. ولم يعد فى الأمر مفاجأة عندما تعلم أن حاييم وقبل تعيينه كسفير كان وقتها مسئول رسم السياسات الإسرائيلية تجاه السودان، فهو من وضع الخطة فى تل أبيب، وأرسل «دهان» ليعقد اتفاقاتها وعاد حاييم إلى السودان لينفذها. فإسرائيل تعلم جيداً أن علاقتها الجيدة بجنوب السودان تعزز إحكامها على جنوب العالم العربى، خاصة فى ظل وجودها الكبير فى إثيوبيا وأريتريا، وكينيا، وأوغندا وبسيطرتها على جنوب السودان تكون أحكمت الدائرة جيداً، خاصة أنها تتجاهل الصومال وتصفها ب«الدولة الفاشلة»، وهو التصور الذى وضعه بن جوريون فى الخمسينات وأطلق عليه قوس قزح أفريقيا، ما أكده حاييم فى لقائه الصحفى المنشور على موقع «إسرائيل وات» فى يوينو 2013. ليست السودان فقط هى محطة حاييم كورين الأهم فقبلها كان كورين فى جوبا ومن قبلها رفضت اعتماده، جمهورية تركمنستان الدولة السوفيتية السابقة دون إبداء أسباب، وتعد هذه المرة الأولى فى تاريخ الدبلوماسية الإسرائيلية التى يرفض فيها اعتماد أسماء سفيرين لإسرائيل بدولة بصورة متوالية، فقد رفضت الخارجية التركمانية اعتماد (ريوفن دانيال) كونه خدم فى الموساد الإسرائيلى لفترة طويلة، وعندما رشح كورين فى أغسطس 2010 كسفير لإسرائيل لدى عشق آباد، رُفض للأسباب ذاتها، ولا توجد معلومات مؤكدة حول عمل حاييم فى الموساد، ولكن المؤكد أنه عمل كمخطط استراتيجى، وصانع سياسات استخبارية، وجمع معلومات حول إيران فى مجلس الأمن القومى الإسرائيلى لمدة 3 سنوات، الأمر الذى وجدته تركمنستان مريباً وكافياً لرفضه. وعادة ما تثير تصريحات كورين، جدلاً واسعاً، ويقال عنه فى إسرائيل، إنه رجل لن يتكرر كثيراً فى إسرائيل، فقد صرح كورين قبل عام تقريباً: «علاقة إسرائيل بجنوب السودان مهمة جداً وإحكامنا على هذا البلد من أجل أمننا، فإيران تنقل أسلحتها عبر هذه الدولة، وحال جنوب السودان يشبه كثيراً حال إسرائيل، فهى دولة نشأت مجدداً، جيرانها يرفضونها، كما أن نسبة كبيرة من سكان جنوب السودان يدينون بديانة مختلفة عن ديانة جيرانهم «الوثنية» وبمساعدتنا يمكنهم البقاء». وفى حوار له مع موقع «إسرائيل وات» فى أكتوبر 2011 وقتما كان سفيراً فى جوبا مع الصحفى «أتلى أندرسون» قال: «إننا فى وضع صعب فى الشرق الأوسط فى الوقت الحاضر لأن جيراننا لا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم، وهناك تاريخ مضطرب يجمعنا بالعرب كما يجمعنا بالنازيين الألمان، وليس من السهل أن تكون دبلوماسياً إسرائيلياً فى الوقت الحاضر، فالسفراء الإسرائيليون يطردون من الدول مثل مصر، وتركيا، باستثناء الأردن، التى ما زالت محتفظة بعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل»، وأضاف فى تصريح بالغ الخطورة، أن ثورات الربيع العربى سبب عزلة إسرائيل والحال فى الدول العربية يبعث على القلق بالنسبة لى، وأكد أنه لا يحب مفهوم الربيع العربى، وقال: «انظروا إلى مصر وتونس، وليبيا، هل تعتبر هذه الدول ديمقراطية؟ النظم الحاكمة فيها ما زالت تحكم»، وأكد على أن إسرائيل لن تغير سياستها الإقليمية فى المنطقة حتى لو تغير الحكام وأكد على أهمية «الحفاظ على صداقتنا بمصر وتركيا». وفى 20 يونيو 2011، بمبادرة من سفارة إسرائيل فى جورجيا فى مؤسسة جورجيا للدراسات الاستراتيجية والدولية ألقيت محاضرة من قبل حاييم كورين كخبير فى الشئون الإسلامية، ناقش خلالها الإسلام والتغييرات الأخيرة فى المنطقة العربية، كما ألقى كورين تحليلاً للعب بالسلطة فى الدول العربية وتحليلاً لسياسات القوة العالمية حالياً، بعد ثورات الربيع العربى، إضافة للأجندة السياسية للأنظمة العربية وتطرق لما وصفهم باللاعبين الرئيسيين فى المنطقة، إيران، وتركيا، والمملكة العربية السعودية ومصر.