سيمضى يوم الانتخابات الرئاسية فمصر عبرت أياماً أشد.. وسيأتى رئيس إن شاء الله لمصرنا العظيمة، ولكن السؤال: هل ستمضى بنا الأيام كما كانت بنفس مشاكلنا ونفس تجاهلنا؟ هل سنتغاضى عن النظر فى كوارث محيطة بنا فى المجتمع، حولى وحولك، ونقول: أهى دى بلدنا نعمل ايه؟ هذا الكم من أطفال ومراهقين متسربين من التعليم فى الشارع والورش وسائقى تكاتك وباعة جائلين! إن التسرب التعليمى فى مصر أصبح هو الظاهرة الأكثر شيوعاً وفزعاً فى السنوات العشر الأخيرة، وللأسف هو الصمام المفتوح لأطفال الشوارع وعمالة الأطفال غير المشروعة والبلطجة والزواج المبكر للإناث. ويعرف التسرب التعليمى بأنه الانقطاع عن العملية التعليمية الأساسية بسبب آخر دون الوفاة. ومشكلة التسرب التعليمى أننا نتعامل مع طفل أو مراهق عادة له ولى أمر غير مقتنع بالعملية التعليمية «واعلمه ليه، ما هو زى الفل وواد كسيب، دا شارى الموبايل اللى معاه من حر ماله؟»، كأن التعليم هو الرفاهية وليس الموبايل. الطفل لا يملك من أمر نفسه شيئاً، فقد وجد نفسه تحت وصاية ولى أمر، وهو وحظه؛ واعى أو جاهل بمصلحته، مقتدر أو غلبان، وأول مجال للتضحية بشىء يكون التعليم وليس شيئاً آخر، فالأب يجد التعليم مرهقاً مادياً بعد إنجابه ل11 طفلاً، وهو عاطل «على باب الله - أرزقى». ووجد أن التعليم لا فائدة منه «اللى اتعلموا عملوا إيه؟ عواطلية»، لكنه لا يعلم ماذا يعمل ابنه أو البيت الذى تعمل به ابنته، موضوع تافه «بيلقط رزقه»، حتى إنه يوجد أطفال عملهم اسمه «واد ملقاط»، يعنى يمسك فى أى شغل، سواء يجيده أو لا، يصلح لسنه أو لا يصلح، مش مهم.. المهم أنه كسيب. وهناك أم معيلة أمية وجدت أن عمل ابنتها فى المنازل حتى سن 14 سنة ثم تزويجها «سترة»، وأخذ مرتبها تحت اسم «جهازها»، بينما تلك الفتاة هى العائلة لهذه الأسرة والعريس سيأخذها كما هى. أما المراهق فهو ترك المدرسة لأن «كفاية كدة»، بعد أولى إعدادى عرف دماغه رايحة فين، و«عايز الحياة تهرشنى واهرشها، مش عايز أتعلم من ورق، أنا ليا سكة مع الدنيا غير سكة العلام، وطالما مكفى نفسى ماحدش له عندى حاجة». المراهق مؤخراً كان له سمسار مظاهرات يحركه! ووجدناهم أيام أحداث المجمع العلمى، يصنع مولوتوف، أو يلم كسر الرخام من مناطق صناعته، أو يفرز القمامة لإحضار الزجاجات الفارغة. وهناك مراهقون شدتهم هواية ما، للعمل المبكر بها مثل قيادة السيارات (التوك توك) أو الميكانيكا (الورش) أو الحرف الأخرى. وهم مقتنعون بأنهم جميعاً بهذا الطريق سيصلون ل«وش الدنيا»، والسؤال هو: ما هو وش الدنيا فى نظرك؟ بالرغم من تكدس الفصول وبُعد بعض المدارس عن السكن وصعوبة المناهج و... و... و... ليس هناك أى مبرر أن أى ولى أمر يرضى أن يكون ابنته أو ابنه يحمل صفة جاهل أو أمى أو لا يقرأ أو يكتب. ولنتكلم بالأرقام قليلاً: وزارة التربية والتعليم أعلنت أن المتسربين من المرحلة الابتدائية فى العام الدراسى 2010/2011 وصل إلى 28841 تلميذاً وتلميذة، وفى المرحلة الإعدادية لنفس العام وصل إلى 130564 تلميذاً وتلميذة، هذا غير من لم يسجل أصلاً بالانتساب للتعليم الابتدائى، أى إن معدل الأمية فى الفئة العمرية من 9-15 سنة ارتفع إلى 21٪، ومن 15-38 سنة ارتفع إلى 38٪، هذا غير أمية كبار السن من هم فوق الخمسين عاماً. عن أى تنمية تتحدثون و«حنفية التسرب التعليمى والأمية» مفتوحة؟ ألا تشكل هذه الأرقام خطراً لأى مسؤول؟ ألا تشكل هدراً لأى خطة تنموية موضوعة؟ إن التفاوت فى البناء الطبقى الاجتماعى أدى إلى فوارق جمة فى المستوى الثقافى بين الأغنياء والفقراء، فلقد كان الفقراء زمان أكثر حرصاً على أن يكون أولادهم متعلمين وإن كانوا ليسوا حملة شهادات وكانوا يفتخرون «ابنى دماغه متنورة ومتعلم». إن مكافحة التسرب التعليمى فى مصر فى المراحل الإلزامية قضية أمن قومى، أمن يحمى العقول، إن كنا نحلم بوطن أفضل فلتكن عقولنا أفضل. وليست مصر الدولة الوحيدة التى تعانى من هذه الظاهرة، السودان والجزائر واليمن والعراق والمغرب والصومال، وانضمت لنا سوريا. ولكن هناك دول اعترفت بهذه المشكلة، ووضعت لحلها جدولاً زمنياً وخطة واستعانت بمنظمات دولية مثل اليونيسيف. البداية صعبة ولكنها ليست مستحيلة، وتحتاج لرؤية جديدة للمشكلة ومنهج جديد لحلها. إذا أردنا تنمية فلننتبه للأطفال من 8-15 سنة ونبحث أين هم، لأنهم من سنتعامل معهم بعد 10 سنوات.. وهذا ليس برقم فى عمر الشعوب أو تاريخ الأمم. (وللحديث بقية)