اتفق الباحثان الأمريكيان ناثان براون، من مركز كارنيجى، ومايكل ريان، من معهد الشرق الأوسط، على استعداد الإدارة الأمريكية للتعاون مع القيادة المصرية الجديدة تحت رئاسة عبدالفتاح السيسى، متوقعين رد فعل أمريكياً من بعض المواقف المصرية، وعدم سيطرة الحركات السلفية على البرلمان المقبل. وفى هذا السياق، يرى «براون» أن الجميع يتوقع أن يفوز المشير عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية ستتقبل فوز «السيسى» المعروف جيداً داخل الأوساط الأمريكية، مؤكداً أن كلاً من الرؤية الاستراتيجية للجيش المصرى والإدارة الأمريكية يسيران فى نفس الاتجاه، حيث تولى واشنطن اهتماماً بالوضع فى غزة والصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، وحق تحليق الطائرات الأمريكية فى الأجواء المصرية. ولم يختلف رأى الدكتور مايكل ريان، الباحث فى معهد الشرق الأوسط فى واشنطن، عن رأى الدكتور براون فى توقع فوز «السيسى» فى الانتخابات المقبلة على خلفية تمتعه بشعبية كبيرة، مؤكداً أن الإدارة الأمريكية ستتقبل نتائج الانتخابات الرئاسية التى يشرف عليها مراقبون دوليون. ولكن «براون» كشف عن توقعه أن يحدث توتر فى العلاقات المصرية الأمريكية بين الحين والآخر كلما وقع حدث يشير إلى أن السياسة المصرية تظهر علامات عدم الاستقرار أو الديكتاتورية، فى حين ستظهر المخاوف فى القاهرة وتصل إلى درجة اعتبار أن هذا تدخل فى الشئون الداخلية، وأن واشنطن تعمل ضد مصالح مصر. وأوضح أن أمريكا ستستمر فى دعوة مصر للتصالح مع الإخوان، باعتبار أن استبعادهم لا يعد أمراً صحياً فى ضوء عدم وجود دليل على أنهم جماعة إرهابية، معرباً عن اعتقاده بأن أداء الإسلاميين لن يكون جيداً فى الانتخابات البرلمانية المقبلة نتيجة عدم دخول الإخوان فى تلك المعركة الانتخابية، وأن حزب النور استُقطب لقبول الحلول الوسط، والبعض الآخر سيتطلع لمرشحين آخرين. وأيد «ريان» هذا الرأى، حيث يرى أنه ليس من المتوقع حدوث تغيير حول الدعوة إلى انخراط كافة الأطراف فى العملية السياسية والانتخابات فى مصر، معرباً عن اعتقاده أن الإخوان سيكونون آجلاً أو عاجلاً جزءاً من المشكلة وليس حلاً، خاصة إذا استمروا فى تبنى موقف رافض للتسوية. مشيراً إلى أن الانتخابات فى السنوات المقبلة ستكون فوضوية، ولكنها ستتسم بالنزاهة، وستشهد تقدماً ولكنها ستكون بطيئة. وأوضح «ريان» أن الحركة السلفية فى مصر «قوى جديدة» فى الأحزاب السياسية المنظمة فى العالم، لأنها كانت فى الماضى فى أغلب الوقت منخرطة فى الأعمال الدينية والخيرية، وأن حزب «النور» قرر أن يعمل «كحزب معارض مخلص»، يعبر عن صوته المسموع. اختلف الباحثان الأمريكيان فى تقييم مدى نجاح العمليات العسكرية الحالية فى سيناء فى تحقيق أهدافها بالقضاء على الإرهاب، ومستقبل التعاون العسكرى بين الجانبين، والمساعدات العسكرية الأمريكية للقاهرة، ومدى تأثير صفقة السلاح الروسية على العلاقات الثنائية. وفى هذا السياق، أكد «براون» أن أمريكا ترى الوضع فى سيناء مثيراً للخوف والقلق، حيث تدرب الجيش المصرى على قتال حرب تقليدية وليس على حرب التمرد، وأن الإجراءات العسكرية تحارب التشدد بطريقة قاسية، ما يجعل المشكلة أسوأ، معرباً عن اعتقاده أن مصر ترتكب نفس أخطاء واشنطن فى فيتنام والعراق، بالاعتماد كثيراً على القوة، والقليل للتعامل مع الإطار الاجتماعى والسياسى الذى تولد عنه التمرد. واختلف «ريان» مع «براون» فى هذا الرأى، حيث اعتبر أن العملية العسكرية فى سيناء حققت كثيراً من الأهداف الاستراتيجية المهمة، وأحرزت تقدماً فى إغلاق الأنفاق غير القانونية، وقضت على تدفق السلاح والأشخاص عبر الحدود، والأكثر أهمية نجحت فى إضعاف حركة «حماس» لدرجة اليأس. واعتبر «براون» أن تسليم أمريكا لمصر المعدات العسكرية المتأخرة يحمل رسالتين فى نفس الوقت؛ الأولى أن مصر تعد شريكاً أمنياً لأمريكا، والثانية أن النظام السياسى المصرى لا يسير فى الاتجاه السليم، وهذه الرسالة المزدوجة تؤدى إلى الارتباك، وفى بعض الأحيان تؤدى إلى ظهور تصرف القطاعات الأمريكية المختلفة بطريقة غير منسقة. واختلف «ريان» مع «براون» فى هذه النقطة، حيث يرى أن كثيرين داخل الإدارة الأمريكية كانوا يعارضون تأجيل تسليم المعدات التى اتفق عليها سابقاً، وأنه من المهم أن الإدارة الأمريكية لم تصف الإطاحة بالرئيسين «مبارك» أو «مرسى» على أنه «انقلاب». ويرى أيضاً أن المساعدات العسكرية لمصر ودول أخرى معرضة على الأقل إلى التغيير، وليس فى الغالب إلى إلغائها، مشيراً إلى أن إسرائيل تدعم بوضوح استمرار هذه المساعدات لمصر. واعتبر «براون» أن زيارة المشير عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع السابق، ووزير الخارجية نبيل فهمى لموسكو، ما هى إلا رسالة إلى الرأى العام المصرى، معتبراً أن موسكو لن تقدم كثيراً لمصر. وأبدى «ريان» اعتقاده أن الصفقة الروسية لن تغير ميزان القوى فى الشرق الأوسط على الإطلاق، وأن الحصول على معدات عسكرية روسية ليس فكرة طيبة لمصر من الناحية العسكرية البحتة، لأنها تعقد المشكلة اللوجستية لتوريد معدات متضاربة، وتستلزم تدريباً للقوات للعمل بالنظم الروسية، وإذا كرر التاريخ نفسه فإننا نتوقع أن يأخذ إبرام أى صفقة مع روسيا وقتاً طويلاً. اتفق الباحثان الأمريكيان «براون وريان» على عدم رضا واشنطن عن الوضع الحالى لعلاقاتها مع كل من مصر والسعودية، وأنها تعمل لإعادتها لسابق عهدها، وتحاول تهدئة مخاوف الرياض من سياساتها فى سوريا والمفاوضات مع إيران، والدعم الأمريكى للإخوان، والسعى للحد من التوتر بين دول الخليج وقطر. يقول «براون» إن «العلاقات الأمريكية السعودية تقوم على أساس الرؤى الاستراتيجية المتداخلة للمنطقة، ومن المؤكد أن هناك اختلافات بين القيادة الأمريكية والسعودية، ولكن هناك بعض القواسم المشتركة، منها كيف ترى القيادتان الوضع فى الشرق الأوسط، وكلتاهما متحفظة للغاية، وتركزان دائماً على الاستقرار فى المنطقة. وأضاف أن «هذه القواسم لم تختفِ، ولكن هناك توتراً بعض الشىء فى العلاقات لأن الولاياتالمتحدة لم تنجح فى تحقيق الحل القائم على دولتين بالنسبة للصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، وترغب فى التفاوض حول التوصل إلى تسوية سياسية مع إيران وهذا ما يثير القلق لدى السعودية، فى حين ترى الولاياتالمتحدة أن السعوديين يدعمون الأصوليين فى سوريا، الذين سيعودون للمنطقة فى شكل المجاهدين الأفغان منذ عقد مضى». اتفق «ريان» مع السعودية فى هذا الشأن، التى أعلنت علناً مخاوفها حيال السياسة الأمريكية فى سوريا، ومفاوضات إدارة أوباما مع إيران بشأن الملف النووى، موضحاً أن الرياضوالقاهرة أعلنتا أن الإخوان منظمة إرهابية، فى حين ترى واشنطن أنه لا بد من تضمين الإخوان فى العملية السياسية بدون تحديد كيفية، وتابع: «الولاياتالمتحدة عامة لا تشعر بالراحة مع الوضع الحالى لعلاقاتها مع مصر والسعودية، وتعمل لإعادتها لسابق عهدها»، مشيراً إلى أنه «من غير الواقعى أن يحدث تحول جذرى فى هذه العلاقات فى الفترة المتبقية من إدارة أوباما». ويرى «براون» أن السعودية ما زالت تشعر بالحاجة إلى وجود أمريكى قوى فى المنطقة بالرغم من التوتر الحالى، موضحاً أن أغلب دول مجلس التعاون الخليجى تعتمد على ضمانات أمنية أمريكية، وليس فقط قطر التى توجد بها قوات أمريكية ولكن أيضاً البحرين والكويت. وأكد «ريان» أن السياسة الأمريكية تهدف إلى الحد من التوتر بين دول الخليج، التى تتمتع معها بعلاقات صداقة قوية منذ عقود، وأضاف: «لا أعلم كيف سيكون رد فعل قطر حيال ضغوط دول الخليج، وأعتقد أن دول الخليج المنافسة تقليدياً ستجد حلاً للحد من التوتر، ولكنه لن يذهب تماماً». وأوضح «ريان» أن الرياضوالقاهرة تتعاونان فى القضايا الدفاعية، مثل المناورات الأخيرة داخل السعودية، التى تشعر بالقلق من إيران فيما يتعلق بالقضايا العسكرية.