تحدثنا من قبل عن كيفية إطاحة قضية التمويل الأجنبى بالسفيرة فايزة أبوالنجا من الوزارة بضغوط أمريكية، بعد أن فجّرت جريمة التمويل الملوث، وكيف استطاعت الضغوط أن تمنع فايزة من تفجير الجزء الثانى، وهو محاولات مافيا التمويل لاختراق الأحزاب المصرية، والتى بدأت فعلاً منذ فترة ولكن تصدى لها حزب الوفد بقوة أثناء رئاسة الدكتور نعمان جمعة، رئيس الحزب فى ذاك الوقت، فلا يمكن للرجل الذى اعتقلته قوات العدوان الثلاثى على بورسعيد والقناة أثناء مشاركته فى المقاومة الشعبية ضد هذه القوات، وتطوعه رغم أنه كان وكيلاً للنائب العام، ولا الرجل الذى أسندت إليه عمادة حقوق القاهرة مدتين وأعادها خلال عمادته لعصرها الذهبى قبل 1952 عندما كانت مفرخاً للساسة والوزراء، أن يأتى عليه اليوم الذى يصمت فيه تجاه جريمة تخترق صفوف الوطن، وأهم قلعة حزبية فى مصر، كل هذا من دوافعه الوطنية والقانونية. فقد حدث فى 2005 أن ذهب 6 من أصحاب الجمعيات إلى ديفيد ويلش السفير الأمريكى، وحصلوا منه على مليون دولار تمويلاً أجنبياً. وكان من بينهم أحد المنتسبين إلى الوفد، وعلى الفور طلب منه «نعمان» الاختيار ما بين الحزب والجمعية، فرفض صاحب الجمعية تركها، وعلى الفور قرر نعمان فصله حفاظاً على صفوف الوفد. وتصديقاً لهذا الكلام فقد تضمّن كتاب «حزب الوفد الجديد» الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ضمن سلسلة الأحزاب السياسية لكل من (هانى رسلان، رضا محمد هلال) فى صفحة 121 تحت عنوان «موقف حزب الوفد من قضية التمويل الأجنبى»: «اتخذ الحزب قراراً حاسماً تجاه قضية التمويل الأجنبى، حيث يرفض الحزب تلقى أى دعم أجنبى، ولذا فقد اتخذ الحزب قراراً بتجميد عضوية خمسة من أعضائه بسبب صلتهم بتلقى تمويل خارجى، باعتبارهم من المؤسسين للجمعية المصرية للتطور الديمقراطى، وتضمن القرار تجميد عضوية كل من محمد البدرى وحمادة منصور ونور محمد وماهر فاروق بالإضافة إلى محمود على، جدير بالذكر أن تلك الجمعية هى إحدى الجمعيات الست التى أعلن السفير الأمريكى بالقاهرة عن تمويلها بمبلغ مليون دولار منتصف العقد الحالى». وأمام هذه الوقائع كان لا بد من التخلص من نعمان جمعة الذى أراد التصدى لزحف هؤلاء، ومن هنا وُضع مخطط الإطاحة به، ولتكن المحطة الأولى إجباره من خلال اتفاق بين جمال مبارك وعز مع قيادتين من الوفد على خوض انتخابات الرئاسة فى 2005، بعد رفض كل من خالد محيى الدين وضياء الدين داود حتى لا يكون التالى لمبارك فى الأصوات هو أيمن نور.. ولكن نعمان لم يستطع أن يتخلى عن جوهره المعارض، ففى مؤتمر طنطا وجّه هجوماً عنيفاً لجمال، وهنا تم الاتفاق ما بين النظام فى ذاك الوقت ومجموعة التمويل على الإطاحة به انتقاماً لفصله وتجميده لرموز التمويل، وأيضاً لتطاوله على الوريث. وهذا لا يعنى أنه لا يوجد معارضون لنعمان من خارج هؤلاء.. وبالفعل يتعرض نعمان لانقلاب، ساعد فى ذلك بعض المتهورين المحسوبين عليه، أثناء دخولهم الحزب بسبب فخ حكومى أعده له النظام مما نتج عنه إصابات، فى مقابل قيام الفريق المناهض لنعمان بإشعال النيران فى الحزب، حتى تتم الإطاحة به إلى داخل سيارة أمن مركزى.. ليدخل من جديد هؤلاء الذين فصلهم نعمان من رموز التمويل الأجنبى الملوث، ويتربعوا فى مقاعد الهيئة العليا، والآن بعد أن ذهب نعمان ضحية التمويل قبل فايزة أبوالنجا.. وهرب المتهمون الأجانب على طائرة، وعاد لصوص التمويل إلى وضعهم فى الهيئات العليا والمراكز الأعلى. ماذا بعد؟ هل نصمت يا كل وطنى حر.. لا، فالصامت عن الحق شيطان أخرس، ولن نكون هذا الشيطان.