من الوارد أن تتم أخونة الحكومة بحكم أن الرئيس جاء من خلفية إخوانية، وهو ما قد يتبدى فى اختياراته للوزراء أو اختياراته للمحافظين وللفريق الرئاسى، رغماً عن جهد واضح من قبله فى أن تكون الاختيارات متوازنة. ولكن فى كل الأحوال أخونة الدولة مرفوضة لأنها تعنى استبداداً جديداً. أن يأتى مدرب منتخب مصر الوطنى بمساعديه من نفس النادى الذى اعتاد اللعب فيه هذا حقه، ولكن ليس من حقه أن يأتى بكل لاعبى المنتخب من نفس الفريق، والأهم ليس من حقه أن يطلب تغيير قواعد ولوائح اتحاد الكرة بما يخدم فريقاً واحداً أياً ما كان، وحتى لو كان هو فريق الأغلبية. وهذا هو الفارق بين الحكومة ومؤسسات الدولة، رغماً عما بينهما من تداخل. وهذا هو الفارق بين المنتخب «القومى» أو «الوطنى» وأى ناد من الأندية. وهذا هو ما يجعل هناك من يخشى «أخونة» الدستور وعندهم حق، وإن كنت لم أر حتى الآن داخل الجمعية التأسيسية جهداً فى اتجاه بناء نظام «إخوانى»، وهناك من يخشى «أخونة» للمؤسسات القومية مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس القومى للمرأة والمجلس الأعلى للصحافة باعتبارها مؤسسات عابرة للحزبية وللأيديولوجيات. وهناك من يخشى من أخونة مؤسسات صناعة الرأى والوعى والفكر مثل وزارات الإعلام والتعليم والثقافة والأوقاف والمؤسسات الصحفية المملوكة للدولة. وهناك من يخشى من أخونة مؤسسات الدولة السيادية مثل الداخلية والخارجية والعدل والدفاع والمخابرات باعتبارها مؤسسات وطنية لا ينبغى أن تخضع لأى اعتبارات حزبية. وكل ما سبق لا يفهم إلا فى ضوء عدة محددات ومحاذير: أولاً، نحن بالفعل فى لحظة فارقة حيث القابضون على السلطة لا يقومون فقط بتسيير شئون البلاد مؤقتاً، وإنما هم يؤسسون لقواعد اللعبة السياسية لعقود كثيرة قادمة. هم ليسوا فقط الجهاز الفنى للمنتخب، وإنما هم الآن مجلس إدارة اتحاد الكرة، ولكنهم محكومون بقواعد استقرت عالمياً اسمها الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولن يقبل المصريون بأقل من ذلك بديلاً. ثانياً، نحن بالفعل فى لحظة فارقة حيث النخبة الليبرالية لا تتعامل بليبرالية فيما بينها، بدليل خلافاتها واستعدادها الدائم للحديث عن التحالف والمشاركة ثم ممارسة الانقسامات والانسحاب بكفاءة واضحة. وهو ما يجعلنا نقلق كثيراً بشأن التوازن بين القوى السياسية المختلفة. إن الديمقراطية ليست فقط مجموعة من القيم والمبادئ والأفكار النبيلة، ولكنها كذلك توازن فى القوة بين الفاعلين المختلفين بما يترتب عليه مراقبة فاعلة وتداولاً للسلطة. وقد كنا فى عهد النظام السابق نلقى باللوم على الدور السلبى للحزب الوطنى فى إشاعة روح الانقسام بين قوى المعارضة، ولكن الآن يبدو أن الخلل داخلى أكثر منه خارجى، والمطلوب العمل على علاجه بسرعة لأن الوقت جد محدود. ثالثاً، نحن بالفعل فى لحظة فارقة بسبب غياب مؤسسات الدولة المختلفة لاسيما السلطة التشريعية، حيث الكثير من الإصلاحات تقتضى تعديلات تشريعية وبما أن مجلس الشعب لا يقوم بمهامه فإن العملية التشريعية مجمدة لأنه من ناحية أخرى فإن الرئيس لا يريد أن يستخدم صلاحياته التشريعية على النحو الذى يفتح عليه نيران النقد بحكم أنه يجمع سلطات استثنائية. وبناء عليه، فلا بد من السرعة فى إنجاز الدستور حتى تستكمل مؤسسات الدولة الأخرى. من كل ما سبق نجد أن المشهد مختلط؛ لأنك كلما وليت وجدت الإخوان يفوزون فى الانتخابات سواء لأنهم احترفوا التنظيم والحشد أو لضعف منافسيهم. والفائز فى الانتخابات منطقياً له الحق بل وعليه واجب الوفاء بوعوده الانتخابية. وهنا تأتى «أخونة الحكومة» ولكن فى وجود حكومة مع غياب دستور صارم فى تحديد الاختصاصات، يخشى منافسو الإخوان من أن تكون «أخونة الحكومة» هى المدخل «لأخونة الدولة». وهو ما يقتضى الحذر من الإخوان والتدقيق ممن يراقبون المشهد ويرصدون التطورات بلا تحيزات أيديولوجية حادة؛ لأن هؤلاء هم الذين سنعول عليهم فى تحديد أى خلط بين «أخونة الحكومة» و«أخونة الدولة».