سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«نص» مذكرة الطب الشرعى التى تؤكد قتل «المشير» المذكرة تتهم «عبدالناصر» بقتله ليظل بعيداً عن أصابع الاتهام بالتسبب فى «النكسة» ويعلق الهزيمة فى رقبة «عامر»
بدا الدكتور عبدالغنى البشرى، كبير الأطباء الشرعيين الأسبق، وكأنه يتخلص من حمل أثقل كاهله. فبمجرد أن جلس -متهالكاً- داخل حجرة الاستقبال فى منزل حسن عامر، شقيق المشير الراحل عبدالحكيم عامر، أظهر ظرفاً معتنىً به، وقال فى كلمات تلقائية: «جئت لأريح ضميرى قبل أن أموت، كلنا كأطباء شرعيين عارفين إن أخوك اتقتل ولم ينتحر»، وأضاف: «إحنا عملنا اللى علينا على قد ما قدرنا، التقرير ده نسخة أصلية احتفظت بها لما الظروف تسمح أدى التقرير لأى طبيب شرعى متخصص، وهو هيعرف يثبت حقيقة قتل المشير عبدالحكيم عامر». ووفقاً للمذكرة المكملة للبلاغ الذى تقدم به نجلا المشير عبدالحكيم عامر، جمال وآمال، والتى تنفرد «الوطن» بنشرها، فإن الأطباء ال4، برئاسة الدكتور عبدالغنى سليم البشرى، الذين وضعوا تقرير الطب الشرعى فى حادث وفاة المشير عبدالحكيم عامر، لم يكن أمامهم سوى اعتبار الواقعة انتحاراً، وكان عليهم أن يؤيدوا الرواية الكاذبة حول نوع السم، وكيفية وصوله إلى جسد المشير، رغم أن ما لديهم من خبرات كان يتناقض تماماً مع ما اضطروا لقوله. وأضافت المذكرة أن الدكتور البشرى احتفظ بنسخة أصلية من التقرير، خشية أن تمتد إليه يد التلاعب، حتى أحس بقرب منيته، فتوجه إلى بيت حسن عامر، شقيق المشير وكبير العائلة، وسلمه إياها، وأوصى بعدم إخراج التقرير للنور إلا عندما يسمح المناخ السياسى بكشف الحقيقة، وعند ذلك فإن أى خبير قادر على اكتشاف حقيقة الواقعة من خلال الأبحاث الفنية المتضمنة فيه. وأشارت المذكرة إلى أن ورثة المشير احتفظوا بالنسخة الأصلية لتقرير الطب الشرعى فى حادث الوفاة، حتى آن الوقت المناسب، وأمر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بإعادة فتح التحقيق، على سند من البلاغ 14703 لسنة 2010. وتوضح المذكرة أن الورثة توجهوا إلى أرفع مركز علمى تابع للدولة فى مجال الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية، وهو «وحدة الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية ووحدة الاستشارات الطبية الشرعية بكلية الطب جامعة عين شمس»، وطلب مقدم البلاغ من رئيس الوحدة دراسة التقرير الطبى الشرعى الأصلى الذى قُدم بالتحقيقات عام 1967، وما تضمنه من سرد للوقائع وما حواه من أبحاث ودراسات علمية وما انتهى إليه من نتائج، وبناء عليه درست الدكتورة خديجة عبدالفتاح، رئيس وحدة الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية ورئيس وحدة الاستشارات الشرعية الطبية بكلية الطب جامعة عين شمس، تقرير الدكتور البشرى، وانتهت إلى انتفاء أى شبهة لانتحار المشير، وأن الوفاة سببها الهبوط الحاد فى القلب والدورة الدموية، كأثر مباشر للتسمم عن طريق الحقن بالوريد. وقال التقرير تحت تساؤل: لماذا أذن عبدالناصر بقتل المشير؟ «لقد كانت كل الأسباب الرسمية المعلنة لهزيمة 1967 محض أكاذيب للإبقاء على «ناصر» فى السلطة وإنه لو ظل «عامر» حياً لكانت فُضحت، ولم يكن هناك بديل سوى التخلص منه على أن تُعلق الهزيمة فى رقبة عامر، بعد ضمان سكوته للأبد». وتؤكد المستندات، المقدمة للنيابة، أن المشير خطط لهجوم جوى فى 27 مايو 1967، لكن عبدالناصر أمر بوقفه قبل الموعد ب3 ساعات، استجابة لسفيرى موسكو وواشنطن، ما تسبب فى كارثة، وهو ما أورده الكاتب مايكل أرون، من مركز دراسات الشرق الأوسط فى جامعة هارفارد الأمريكية. وبعد نتيجة الحرب كان لا بد أن يخرج «الزعيم» سالماً، وبتدخل أطراف أخرى ذات مصلحة فى تصفية المشير أوعزت إلى الرئيس بما حدث فى استراحة المريوطية. وأثبتت الدكتورة خديجة، فى تقريرها الاستشارى، عدة قرائن علمية تثبت قتل المشير حقناً بالسم، أهمها أن تحاليل القىء بمستشفى المعادى تثبت خلوّه من الأكونيتين الذى زعموا أنه تناول الجرعة الأولى منه فى بيته، حيث جاءت جميعها سلبية للمورفين والأكونيتين والمنومات والسموم المعدنية، وقد غادر المشير سيراً على قدميه وحالته الطبية العامة طبيعية، كما أن التحاليل الطبية الخاصة بالورقة الملفوظة من فم المشير -كما زعموا- سلبية لجميع أنواع السموم. كما كشف التقرير كذب ادعاء كبير الأطباء الشرعيين أن القىء كان من وقت نقل المشير من المستشفى، إذ إن المشير لم يتقيأ منذ نقله، ومثبت بالتقرير الطبى لمستشفى المعادى أن جهازه الهضمى سليم ولا يشكو من أى أعراض مغصية أو قىء، كما عاب التقرير على الطبيبين عدم تحفظهما على أى كمية من القىء «الكثير»، على حد قولهما، وأظهر التقرير أيضاً أن الطبيبين لم يعملا خريطة سوائل لتعويض الفاقد من جسم المشير. ووفقاً لتقرير معاينة النيابة العامة، من تقرير الطب الشرعى الذى أكد نظافة الحجرة وملابس المشير فى الوقت الذى كانت فيه المياه مقطوعة، فإن أقوال الطبيبين بيومى وبطاطا بشأن القىء المستمر غير صحيحة، كما أشار تقرير الدكتورة خديجة، الذى صدر نهاية 2010، إلى استحالة تعاطى المشير لجرعة ثانية من السم دون أن تترك آثاراً عضوية وتشريحية على الجسم أو على العبوة، حيث كان حتماً أن تظهر بقايا ذرات المسحوق الأبيض تحت أظافر المشير أو على شفتيه أو فى الأغشية المخاطية بالفم والحلق، كما لفت التقرير إلى أن ما ذكره التقرير الأصلى عن أعراض السم غير صحيح علمياً، حيث زعم دخول المشير فى غيبوبة مباشرة بعد 7 دقائق تقريباً من تناول الأكونيتين، بينما تستمر الأعراض فى الحقيقة من ساعة إلى ساعتين، ويعقبها شلل تام، ثم انخفاض ضغط الدم وهبوط التنفس. وطرح التقرير نقاطاً أخرى كذبت ادعاء انتحار المشير، منها أن ملاءة السرير التى حرزتها النيابة لم تُسلم مثل الجاكتة الزرقاء، رغم أنها كان بها بعض تلوثات يميل لونها إلى الحمرة، ولم تحرز أى من مخلفات الاستراحة، مثل الأوانى والأكواب والشفاطات وبقايا الأدوية وفوارغ الحقن وطفى السجائر وعيدان الثقاب المستعملة، وأضاف التقرير أن الوفاة حدثت فى الساعة السادسة والنصف أو السادسة وأربعين دقيقة، حسب أقوال الدكتور بطاطا أو السابعة والنصف، حسب ملاحظات الدكتور شريف عبدالفتاح، الذى وجد جثة المشير ما زالت دافئة، رغم وجود مروحة كهربائية مدارة، بينما بدأ الكشف المبدئى الساعة الواحدة والنصف ليلاً، أى بعد الوفاة ب7 ساعات كاملة. ونوهت المذكرة إلى اتهام الطبيبين بيومى وبطاطا بتعذيب المشير بحرمانه من الشراب والطعام على مدار 48 ساعة، حيث لم يرد من كبير الأطباء الشرعيين وقتها أى تعليق على خلوّ الأمعاء بقسميها من المواد الغذائية والبراز، ما يدل على أنه تعرض للجفاف «التعطيش». وانتهى التقرير إلى استبعاد شبهة الانتحار تماماً، لعدم وجود ما يشير إليه فى مكان الوفاة، حيث أثبتت التحاليل والبحوث أن المشير لم يتناول أياً من السميات المشار إليها سابقاً، خاصة الأكونيتين، قبل وصوله للمستشفى، ولم يتناول الأفيون، وأن سبب وجود آثار ضئيلة من المورفين فى عيّنتى البول والدم بعد الوفاة هو تناول المشير البنيلين، «دواء الكحة». كما انتهى التقرير إلى أن الوفاة حدثت لحظية، نتيجة وصول المادة السامة لدم المشير عامر فأحدثت حالة تسمم حاد بأحد أشباه القلويات، وذلك من خلال الأثر المباشر على عضلة القلب، حيث أحدثت خللاً فى كهربية الخلايا، ما أدى لحدوث الارتجاف البطينى مؤدياً إلى الوفاة.