ما شهدته مصر من تفجيرات دموية، حدثت -وتحدث- باسم «الشريعة الإسلامية»، ذلك أن مرتكبيها يستحيل أن يُضحّوا بأنفسهم من أجل الفوز بالجنة، أو ليُسجنوا، أو يفصلوا من الكليات، إلا إذا كان الدافع وراء ذلك إيماناً راسخاً، وقناعة شرعية، بأنهم يجاهدون فى سبيل رفع راية «الإسلام»، وإقامة الخلافة الإسلامية فى الأرض!! فى النصف الأول من يناير 2011، كتبت مقالاً فى صحيفة «الدستور» بعنوان: «الدولة المدنية والمرجعية الدينية»، قلت فيه: إنه من الخطر الكبير أن نرفع شعار «الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية»، مستغلين عاطفة الشعب الدينية، التى دفعته أن يقول «نعم» للإسلام، وليس لهذه المرجعيات الدينية المذهبية، التى لا يعلم عن تاريخ صراعها الدينى والسياسى شيئاً!! وفى (4/8/2011) كتبت مقالاً فى صحيفة «المصرى اليوم»، بعنوان «جمعة الشريعة الإسلامية» قلت فيه: إن ما حدث يوم الجمعة (29-7-2011) من رفع التيارات «الدينية المذهبية» شعار مليونية المطالبة بتطبيق «الشريعة الإسلامية»، ينذر بخطر عظيم، يهدد مستقبل المسلمين، ويشوه صورة «الإسلام» أمام العالمين. ذلك أن كل من خرجوا إلى هذه «المليونية»، استجابة لدعوة أئمتهم، لا يعلمون شيئا عن حقيقة هذا الشعار الذى يرفعونه!! وفى (27/10/2013) كتبت، على صفحات هذه الصحيفة الموقرة، مقالاً بعنوان: «من الذى يقتل الأبرياء»، قلت فيه: والسؤال «هل يُجدى التفاوض مع صاحب عقيدة يرى أنه هو المسلم الحق وغيره كافر مباح الدم والمال والعرض؟! هل الأزمة أزمة سياسية، أم أزمة عقدية؟!»، إن التفاوض السياسى القائم على «التوازنات»، و«المصالح الدنيوية»، إن نجح يوما فلن ينجح طول الزمان!! إن فصائل الإسلام السياسى عندما تتفاوض فإن ذلك يكون على أساس مبدأ عقدى عندهم اسمه «التقية»، لتحقيق مصالح تراها ضرورية لبقائها، فإذا تمكّن فصيل يوماً من حكم البلاد فإنه سيلقى بهذا التفاوض فى المهملات، واليوم أقول: لقد عاش المسلمون داخل دائرة مغلقة، دائرة «الفكر الإسلامى»، فلم يقفوا على الصورة الكاملة لحياة الشعوب، ولا على العلوم والمعارف العالمية، ودورها فى بيان فعالية آيات الآفاق والأنفس فى الكون!! لقد هجر المسلمون «السنن والقوانين الكونية»، وأغلقوا الباب على أنفسهم، وألقوا مفتاحه فى عرض البحر!! لقد حكمت التيارات والأحزاب الدينية البلاد عاماً كاملاً، دون دراية ب«السنن الكونية» وفاعليتها فى حياة الشعوب، فلم تفهم حقيقة «الإسلام»، ولم تحكم بما أنزل الله، ولم تتعلم السياسة وإدارة شئون البلاد.. وتحالفت مع القتلة والمفسدين فى الأرض، ليمكّنوها من تحقيق حلم الخلافة. لقد غُيّب الشعب المصرى عن حقيقة الأزمة التى يواجهها الآن، وسيواجهها لفترة ليست بالقصيرة!! إن كل صور الأزمات التى تواجه شعوب العالم، لا تقارن مطلقا بأزمة الجهاد فى سبيل رفع راية الإسلام، وإقامة الخلافة الإسلامية، التى تهدد هذه الشعوب اليوم!! لماذا؟! لأن المنطلقات مختلفة!! إن أزمة (الإسلام السياسى) تنطلق من قاعدة الجهاد من إقامة «الخلافة الإسلامية»، و«الحكم بما أنزل الله»، وهى قاعدة لها قدسيتها عند كل المسلمين. ولكن كثير من المسلمين لا يعلمون أن «الحكم بما أنزل الله» لم يشهده إلا عصر الرسالة، وعصر الشيخين أبوبكر وعمر، ثم بعد ذلك سَلّمَ بعض المسلمين قلوبهم للشيطان. لقد انقسم المسلمون إلى فرق «عقدية» متصارعة، ومذاهب «فقهية» متخاصمة.. ومنذ القرن الرابع الهجرى وأتباع الفرق والمذاهب الفقهية المختلفة لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، عقيدةً وشريعةً، إلا من خلال هذه (المرجعيات) السلفية، التى تدرس اليوم فى المؤسسات والمعاهد الدينية، وهى التى يستند إليها «الإرهابيون»، «المفسدون» فى الأرض، فى عملياتهم الإرهابية الإجرامية!! إن حرمة الدماء لا تُباح بتفسيرات المفسرين، ولا بروايات الرواة، ولا باجتهادات الفقهاء.. إن حرمة الدماء لا تباح إلا بدليل قطعى الثبوت عن الله تعالى، قطعى الدلالة، أى بنص قرآنى. فأين هو النص القرآنى (قطعى الدلالة)، الذى يستند إليه الإرهابيون وعلماؤهم، فى هذه الأعمال الإجرامية؟! لا يوجد، مطلقا!! ولكن اللافت للنظر أن جميع المؤسسات الدينية الرسمية فى الدولة تكتفى، بعد كل حدث إجرامى، بإصدار بيانات الإدانة، وتعلن أن الإسلام برىء من هذه الأفعال الإجرامية، وأن الدولة ستتخذ كل الإجراءات لمكافحة الإرهاب!! ولكن ماذا فعلت هذه المؤسسات الدينية لمواجهة هذه (المرجعيات) المفتراة على الله ورسوله؟! إنه لم يحدث يوماً -منذ أن بدأت التفجيرات- أن اجتمع كبار علماء المؤسسات الدينية (على قلب رجل واحد)، لتشكيل لجنة علمية، تصدر دراسة فقهية مفصلة، تحصر آراء (المفسرين)، وعدد (الأحاديث)، والفتاوى (الفقهية) الخاصة بأحكام الخلافة، والبيعة، والسياسة الشرعية، والتقية، التى يستند إليها «الإرهابيون» فى أعمالهم الإجرامية، وتبيّن بطلانها!! ولكن لماذا لم يفعلوا؟! لأنهم يخافون الاقتراب من (مرجعيات) أخذت قدسية فى قلوب المسلمين، باسم «السنة النبوية»!! فإذا قام أفراد خارج المؤسسة الدينية، وبيّنوا للناس ما حوته هذه (المرجعيات) من أكاذيب وافتراءات على الله ورسوله، اتهمتهم بمحاربة «السنة النبوية»!! لقد اخترق «الإرهابيون» جميع مؤسسات الدولة، وأصبحوا قنابل موقوتة تهدد أمن البلاد والعباد، فهل يعقل، والشعب المصرى فى حالة حرب -وإن لم يعِ ذلك- أن نترك هذه القنابل فى أماكنها، كيف نسمح لمن كانوا حلفاء «الإرهابيين» بالأمس أن يعودوا إلى العمل السياسى، يفتنون الناس بكلامهم المعسول (تقيةً)؟! إن قواعد اللعبة السياسية، ومدى وجوب التزام الدول النامية بها، من أجل مستقبل تسوده الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. كل هذا لا خلاف عليه، إذا نظرنا إليه من منظور (الدولة المدنية). أما عندما تواجه الدول النامية، مشروعاً جهادياً يحمل اسم (الخلافة الإسلامية)، تُسفك بسببه الدماء بغير حق، فلا تحدثنى عمّا يجب أن يكون، حتى يُقتلع هذا المشروع الإرهابى من جذوره!! لقد انشغلت النخبة بقضايا «حقوق الإنسان»، و«الديمقراطية»، واللعبة «السياسية».. وتناسوا أن الشعب المصرى يواجه معركة حربية حقيقية مع الإرهابيين المفسدين فى الأرض. وأقول للمسلمين (الطيبين)، المحبين للإسلام ولتطبيق الشريعة الإسلامية، وأقول لمؤسسات الدولة الدينية، وللأحزاب الدينية، التى ما زالت تعمل إلى يومنا هذا.. أقول لهم: استيقظوا.. . فالعدو الذى حولكم فى كل مكان، والذى يراكم ولا ترونه.. لا يعرف إسلاماً، ولا إنسانيةً، فاحذروا!!