تنص المادة الثانية من الدستور (المعطل) على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، فإذا نظرنا إلى جملة: «ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع» وجدناها تُقيد النص الدستورى الجامع الشامل «الإسلام دين الدولة»، وتحصر المصدر الرئيسى للتشريع فى مبادئ الشريعة، وهذا التقييد لا محل له فى الدستور أصلاً. ويبدو أن الذين أضافوا هذه الجملة أرادوا ألا يكون للمذاهب الفقهية المختلفة سند دستورى، ولكن غاب عنهم أن هذه الإضافة تفتح للتيار الدينى باباً للجدل وافتعال الأزمات، كلما حانت الفرصة لذلك، وجاءت الفرصة، ووضع التيار الدينى المادة (219) لتتصدر المذاهب الفقهية، بتوجهاتها العقدية ومذاهبها التشريعية المختلفة، المصدر الرئيسى للتشريع، وفى ذلك مخالفة للشريعة الإسلامية، كيف؟! تنص المادة (219) على أن: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة» والمخالفات التى وقعت فيها هذه المادة هى: أولاً، أفسدت معنى «المبادئ» من الناحية اللغوية، فإذا تحدثنا عن مبادئ الشريعة فنحن نتحدث عن المبادئ العامة التى جاءت بها جميع الرسالات الإلهية، مثال: الحق والعدل، حفظ النفس والمال، كرامة الإنسان وحريته، السلام ونبذ العنف، فكيف تتحول المبادئ إلى مذاهب؟!! ثانياً: نصت على أن مرجعية الشريعة الإسلامية تقوم على الأدلة الكلية والقواعد الأصولية والفقهية، أى تقوم على منظومة فقه السلف، فقه القرنين الثالث والرابع الهجريين، فقه الصراع المذهبى بين أتباع المذاهب المختلفة، فهل هذا معقول؟! نضع دستوراً يقف أمام مدنية الدولة وتقدمها الحضارى؟!! ثالثاً: تُدعّم الصراع المذهبى بين الفرق الإسلامية، وذلك باحتكار مذهب أهل السنة والجماعة لدستور الشعب المصرى، فماذا يفعل المواطنون المصريون الذين ينتمون إلى المذهب الشيعى، أو المعتزلى، أو الأباضى، وهؤلاء لا يعترفون أصلا بالمذهب السنى!! لقد انقسم المسلمون بعد أحداث «الفتن الكبرى» إلى فرق «عقدية»، ومذاهب «فقهية» تفرعت عن كل فرقة. ومن أشهر الفرق العقدية: أهل السنة، الشيعة، المعتزلة، الخوارج، ومن أشهر المذاهب الفقهية لفرقة أهل السنة والجماعة: الحنفى، المالكى، الشافعى، الحنبلى، وهكذا باقى الفرق الأخرى، ولقد تشكلت المرجعية السلفية لفرقة «أهل السنة والجماعة» على مرحلتين: الأولى على يد أحمد بن حنبل [ت241ه] والثانية على يد أبى الحسن الأشعرى [ت330ه]، ومنذ القرن الرابع الهجرى والمسلمون، أهل السنة والجماعة، لا يعرفون الإسلام، عقيدة وشريعة، إلا من خلال هذه المرجعيات السلفية!! والغريب أنك ترى أتباع كل فرقة يدّعون أنهم هم «الفرقة الناجية»، فإذا سألتهم عن أتباع الفرق الأخرى قالوا: كلهم فى النار!! فهل يليق بدستور الشعب المصرى أن توضع مواده على أساس مذهبى طائفى بدعوى وجوب إظهار هوية الدولة الإسلامية؟!! فما هذه «الشماعة» الجديدة التى تسمى بهوية الدولة؟!! ألا يكفيكم النص الدستورى «الإسلام دين الدولة» لإظهار الهوية الإسلامية للدولة؟!! ألا يكفيكم معنى «الإسلام»؟!! ألا يكفيكم معنى «الدين»؟!! وهل عندما نقول «الإسلام دين الدولة» أليس هذا بياناً كافياً لإظهار هوية الدولة وأنها إسلامية؟!! هل هوية الدولة الإسلامية لا تتحقق إلا بمذاهب أهل السنة والجماعة التى لم يشهدها رسول الله ولا صحبه الكرام، لا فى عصر الرسالة، ولا فى عصر الخلافة الراشدة، وإنما ظهرت مع باقى مذاهب الفرق الأخرى فى القرنين الثانى والثالث الهجريين على أقل تقدير؟!! إن النص الدستورى، المتعلق بدين الدولة، يجب ألا يزيد كلمة واحدة على هذا النص الجامع الشامل «الإسلام دين الدولة» [نقطة]، وذلك حماية للأجيال القادمة من أن يستغل التيار الدينى أى زيادة لافتعال أزمة تعيد مصر إلى عصور الفتن والصراعات الفقهية المذهبية، إننا عندما نقول: «الإسلام دين الدولة» فنحن نتحدث عن نصوص شريعة تقوم على فقه الحاضر ورؤية المستقبل، وبذلك نقطع الطريق أمام منظومة التراث السلفى، بفقهائها ومجتهديها، لأن القوانين التنفيذية لهذا النص الدستورى ستكون مرجعيتها نصوصاً قطعية الثبوت عن الله تعالى وحده، وبرهان ذلك هو قوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً». [المائدة 3]. نعم: «وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً»، هذا هو النص الدستورى الإلهى الذى ارتضاه الله تعالى للناس، ولقد ارتضى الشعب المصرى أن يكون «الإسلام دين الدولة»، هذا الإسلام الصافى المجرد عن منظومة فقه السلف. لقد جاء الدين الإسلامى الخاتم «آية قرآنية» [معجزة] تتحرك مع الزمان، تقيم الحجة على أهل كل عصر، حسب إمكاناتهم العلمية والثقافية، وإلى يوم الدين، لقد حكم التيار الدينى البلاد عاماً كاملاً، وكان عليه أن يُظهر للعالم كيف أن الإسلام جاء رحمة للعالمين، فهل فعل؟!! وكان عليه أن يُظهر للعالم كيف أن الإسلام جاء يحمل للناس «آية قرآنية» لتخرجهم من الظلمات إلى النور، فهل فعل؟!! لقد أدار ظهره للشعب، ولم ير أمامه غير حلم الخلافة، فتحالفت فصائله، وتحالف شيوخه ودعاته، ورموزه السياسية والفكرية والإعلامية، وفتح أبواب الدولة ليدخل منها «الأنصار» من كل أنحاء العالم، وقد أعدوا العدة لنصرة جيش الخلافة، لقد كان هذا أكبر همهم!!! ولقد وقف الجيش بجوار الشعب، وخرجت التيارات الدينية من الساحة السياسية، ولكن الحذر كل الحذر، فقد اخترقت التيارات الدينية جميع مؤسسات الدولة، وبصورة تدعو إلى اليقظة الدائمة، فلو عاد التيار الدينى إلى الساحة السياسية مرة أخرى لأعاد الكرة مرة ومرة، فلا يغرنكم طيب الكلام، وادعاء السلمية والمصالحة، فالقضية عندهم قضية عقيدة راسخة فى قلوبهم، ينتمى إليها الأتباع قبل المتبوعين، الصغار قبل الكبار، لذلك أقول: لا مكان للأيدى المرتعشة فى هذه المرحلة الحرجة الدقيقة، وقرارات الحكومة يجب أن تكون حاسمة، كما يجب ألا تنسى أى حكومة، سواء كانت الحالية أو القادمة، كيف عاش الشعب المصرى عاماً كاملاً وهو لا يدرى ما يحاك بليل من خيانة للشريعة وللشرعية، وكيف يعيش اليوم مهدداً فى كل لحظة بإرهاب هذا التحالف الدينى الدولى الذى لن يتوقف إلا بالقوة الرادعة الحاسمة، فاستيقظوا يا من تتمسحون فى الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ويا من تدافعون عن هذا التيار الدينى وأنتم لا تبصرون. مدير مركز دراسات القرآن الكريم