لم يكن مجرد رجل دين، فقد كان شاعرًا، ورجل سياسة في شبابه، ومفسرًا عظيمًا للقرآن الكريم، البعض كان يظنه ليبراليًا، والبعض كان يعتبره إخوانيًا، والكثير كان يراه ناصريًا، غير أن ما اتفق عليه هو حبه وتقرّبه الشديد من الرئيس الراحل أنور السادات، كما أنه في شبابه كان أحد شباب الوفد الذين كانوا في مقدمة ثورة 1919. وُلد إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي في 15 أبريل عام 1911م، بقرية دقادوس مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، والتحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، وأظهر نبوغًا منذ الصغر في حفظه للشعر والمأثور من القول والحكم، ثم حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية، ودخل المعهد الثانوي الأزهري، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب، وحظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق. شكّلت نقطة تحوّل في حياة الشيخ الشعراوي، عندما أراد والده إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة، وكان الشيخ الشعراوي يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الأرض، لكنه اضطر في النهاية إلى النزول لرغبة أبيه. بدأت رحلة الشعراوي السياسية عندما كان طالبًا، محمولًا على أعناق زملائه، ويهتف "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، وذلك في بداية ثورة 1919 ضد الإنجليز، وقد كان الشعراوي وفديًا، محبًا للزعيم سعد زغلول، ومتأثرًا بمبادئ حزب الوفد، وفي عهد جمال عبدالناصر كان الشعراوي، مدرّسًا بكلية الشريعة في جامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة، لكنه مع الخلاف الذي دار بين عبدالناصر وملك السعودية منعه الرئيس الراحل من العودة ثانية إلى السعودية، وعندما استقبل خبر النكسة في 1967 حمد الله وسجد شكرًا قائلًا: "الحمد لله أننا لم ننتصر ونحن في أحضان الشيوعية"، ودفع قوله هذا بعض المؤرخين إلى القول إنه نشأ في كنف جماعة الإخوان. وعُرف الشعراوي بتقربه من الرئيس الراحل أنور السادات، ويُنسب إليه أنه قال عن السادات "لا يُسأل عما يفعل"، حتى عُيّن وزيرًا للأوقاف بعد انتصار أكتوبر، ولم يستمر في هذا المنصب سوى ثلاثة أشهر، حتى تم إنهاء خدمته بناءً على طلبه، وعندما امتلأت المعتقلات المصرية بمعارضي السادات، في أوائل الثمانينات، أراد الرئيس الراحل أن يحتوي الإسلاميين، فعرض على الشعراوي أن يتولى مشيخة الأزهر، لكنه كان أذكى من أن يورّط نفسه، ورفض المنصب قائلاً: "وشيخ الأزهر اللي موجود هتعملوا فيه إيه"، وعندما تم اغتيال السادات، علّق الشعراوي فقال: "من العجيب أن اغتيال السادات قد فرح به الأغبياء من خصومه، وأنا قلت لهم: فرحكم باغتياله حماقة، لأن السادات كانت له حسناته، كما كانت له سيئاته أيضًا قبل ذلك، فأراد الله أن يغفر سيئاته الماضية بحسناته التي فعلها الآن، فقال له: مت شهيدًا، لكي تصبح كما ولدتك أمك مطهرًا من ذنوبك"، وكان الشعراوي من الوفد الذي ذهب مع السادات إلى الولاياتالمتحدة، لتوقيع اتفاقية معاهدة كامب ديفيد. أما في عهد مبارك فقد فضّل الشعراوي أن يبتعد عن السياسة حتى قال كلمته الشهيرة للمخلوع: "إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل". انتهت كلمات الشيخ، لمبارك، واقتربت حياته من الانتهاء أيضًا والذي رفض أن ينهيها بنفاق، كما أوضح للحاضرين، حتى فارق الحياة في 18 يونيو 1998، لكن كلماته ما زالت حاضرة، خاصة أنها تصلح للتعليق على ما يحدث الآن، وكأن الشيخ تنبأ بالثورة، فترك للمصريين وصيته، فيقول "إن الثائر الحق يهدم الفساد، ثم يهدأ ليبني الأمجاد".