فى منتصف اليوم الدراسى دخل تلميذ «الإعدادية» المدرسة غاضباً كفتوات أفلام «الجزار والحانوتى».. فى فناء المدرسة توجه التلميذ الغاضب إلى أحد الأساتذة، وأمام أعين الجميع انهال عليه سباً ولعناً، ثم دفعه بقوة ليرتطم بالحائط ويسقط قتيلاً، ويصبح التلميذ قاتلاً.. تقرير الطب الشرعى قال: «إن الوفاة حدثت نتيجة ارتطام المدرس بالحائط بسبب دفعة قوية، أثرت على العمود الفقرى، وهذا هو السبب الرئيسى فى الوفاة». سقط المدرس قتيلاً بيد تلميذه، وقبل أن يغادر الدنيا عاتب من حوله: «يرضيكم كده!» كأنه يستصرخ فينا قيماً ماتت وأخلاقاً أعدمت وضمائر تجمدت.. «يرضيكم كده!» صرخة قتيل، ليس فى وجه القاتل الصغير الذى لم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر، وإنما فى وجوهنا جميعاً، لأننا نسينا آدميتنا.. دَعْك من أخلاق المصريين وطيبة المصريين وتسامح المصريين، فكل تلك العبارات كالأغذية الفاسدة جميلة المظهر وقاتلة فى الجوهر. مات المدرس ولم يحصل على لقب «شهيد»، رغم أنه أحق به من كثيرين نالوا هذا الشرف بغير حق. قبل أن تحكموا على الصبى بالإعدام أو السجن المؤبد اسألوا أنفسكم: ألستم من يطالب صغاره بأن يأخذوا حقهم بأيديهم؟ ألا تتشاجرون مع الآخرين فى الشوارع والبيوت كأنكم أعداء؟ ألم تتركوا أولادكم يتسكعون فى الشوارع؟ ألم تتباهوا بجرائمهم وتعتبروها «شطارة»؟ ألم تعلموهم السب واللعن والبصق، بدلاً من أن تعرفوهم معنى العيب؟.. انظروا أيضاً إلى مهنة التدريس ألم تصل بسبب الدروس الخصوصية إلى الدرك الأسفل من الهوان؟ ألم يتدنَّ المدرس الذى لم يعد مهتماً بما سيقدمه للصغار من تربية وتعليم، بل بما سيأخذه منهم؟! تلميذ «الإعدادية» قتل مدرسه على إيقاع «عبده موتة»، هذه نتيجة حتمية لثقافة مدمرة وأفلام أكثر فتكاً من الهيروين وأشد إجراماً من عصابات القتل، أفلام لا دور لها سوى التحريض على القتل والفسق ونسف كل مبادئ وقيم المجتمع، هذه الأفلام لا تقل خطورة عن المخدرات وأصحابها لا يقلون إجراماً عن تجار المخدرات. الخبر المنشور على موقع «اليوم السابع» يقول إن سامى عبدالمنعم خطاب (55 سنة) مدرس دراسات اجتماعية، بمدرسة عمر بن الخطاب الإعدادية بالإسكندرية «وقع على الأرض ميتاً ضحية أفلام عبده موتة وبرامج السخرية وعدم احترام الكبار»، هكذا وصفه زملاؤه المعلمون بنفس المدرسة الذين دشنوا صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» تحت عنوان: «كلنا سامى خطاب» وقالوا: «مات ودمعته بعينه». ترجع أحداث موت المدرس إلى وقوع مشادة بين المعلم المتوفى وأحد تلاميذ المدرسة ويدعى «إبراهيم.أ» (15 سنة) بالصف الثالث الإعدادى، بعد أن حضر الطالب إلى المدرسة بمنتصف اليوم الدراسى والمثبت غيابه منذ صباح نفس اليوم، ويبدو أن المدرس القتيل عاتبه أو نهره على حضوره للمدرسة فى هذا الوقت، لكن التلميذ لم يحتمل «كلمة الأستاذ» وربما اعتبرها مهينة وجارحة، فقرر أن يرد الصاع صاعين لمدرّسه.. تدخل بعض المدرسين لفض المشاجرة، لكنهم فوجئوا بسقوط المدرس أرضاً وتبين وفاته. شقيق القتيل مدرس فى مدرسة العطارين الإعدادية استند إلى تقرير الطب الشرعى: «الوفاة نتيجة ارتطام بالحائط بسبب دفعة قوية، فى العمود الفقرى»، نافياً ما أشيع عن أن أخاه مريض بالقلب، وأن الوفاة حدثت بسبب السكتة القلبية، مؤكداً أن التلميذ دفع شقيقه دفعة قوية إلى الحائط بعد أن سبَّه بأقذر الشتائم والألفاظ، كما استنكر الموقف السلبى لمدير المدرسة تجاه الواقعة والإهمال مع التلاميذ المتغيبين. زوجة القتيل تلفتت إلى أولادها الثلاثة، وتساءلت: ما ذنب هؤلاء كى يحرموا من والدهم الذى كان أباً حنوناً ومتديناً؟ واعتبرت وقوع الجريمة دلالة على الإهمال فى التعامل مع طالب معروف عنه أنه مشاغب، وأنها ليست المرة الأولى التى يعتدى فيها على مدرس، وأنه دخل المدرسة دون الزى المدرسى ولم يمنعه أحد. التفاصيل المنشورة فى موقع «اليوم السابع» كثيرة ومثيرة للحزن والقلق، لكن علينا أن نسأل: لماذا لم يعد «الأستاذ» محترماً مهيباً فى عين تلاميذه بالمدارس والجامعات؟ لماذا أصبح طلاب المدارس والجامعات فى أعلى مراتب العنف بدلاً من أعلى مراتب العلم مما ينذر بكارثة محققة؟ فعلاً نحن نعيش كارثة حقيقية، فالعنف فى الجامعات وصل إلى ذروته، والانحطاط الأخلاقى وصل إلى مداه، كما رأينا فى جامعة القاهرة من طلاب ينتهكون عرض زميلتهم فى وضح النهار وأمام كاميرات المراقبة، وللأسف وجدوا من يبرر فعلتهم كرئيس الجامعة. نحن فى كارثة تتطلب تغييراً جذرياً فى منظومة التعليم وليس تغيير أو تطوير المناهج، وكذلك عدم ترك فن كالسينما فى أيدى جزارين أو تجار مواشٍ.. أما عن الأسرة المصرية التى تخلت عن كل قيمها النبيلة فهى فى حاجة إلى علماء النفس والاجتماع فى العالم ليقولوا لنا ماذا جرى للمصريين؟