يبدو أن الموضوع تعدى الظاهرة، وأصبح أكثر من الوباء، وغالباً غير قابل للعلاج لأنه تأصل وتغلغل وأصبح سلوكاً مميزاً، يفخر به المدرسون ولن يحيدوا عنه، وربما شاهدنا مظاهرة واعتصاماً للمدرسين وهم يهتفون: «نموت نموت ويحيا الضرب».. ورغم المأساة الإنسانية فى محاكمة قاتل «إسلام» والأطفال الصغار يحملون صورته ويقفون خارج المحكمة، وأمه الجريحة المكلومة تجلس فى المحكمة وقد وضعت بجوارها ملابس طفلها المقتول، وبكاؤها يدمى القلوب. ورغم وفاة الطفلة «خديجة» رعباً، وهى حادثة غير مفهومة وشديدة الغرابة ولم أفهم سببها حتى الآن، ولكن بالتأكيد هذه الصغيرة المجتهدة المتفوقة قد تعرضت لجرعة هائلة من الخوف والهلع والرعب، عصرت قلبها الصغير فأوقفته عن النبض إلى الأبد.. هل تحدث أمامها الأهل والزملاء عن إسلام وتفاصيل موت إسلام فانتابها الخوف والرعب من المدرسين بشكل عام، أم تراها كتمت فى صدرها الصغير مشاهد كثيرة لضرب عنيف، مارسه المدرسون على زملاء لها أمام عينيها؟ هل هددها المدرس بعقاب شديد فصدقته وشطح خيالها الطفولى فى مشاهد مرعبة إلى هذا الحد؟ لا أعرف، ولكن الموت رعباً داخل فصل دراسى مأساة خطيرة تضاف إلى رصيد السادة المسؤولين عن التعليم فى هذا الوطن التعيس، الذين مازالوا مصممين على أن العملية التعليمية بخير وعلى أعلى مستوى، حسب توجيهات السيد الوزير.. وأنا أيضاً مازلت مصممة على متابعة توجيهات السيد الوزير، وسألت تلميذة صغيرة أتابع من خلالها ما يحدث: «لسه فيه ضرب فى المدرسة عندكم؟» فأجابت: «آه طبعاً عادى جداً.. بس الأستاذ من كام يوم قال لنا والله العظيم أقتل واحدة منكم عشان أتشهر وصورى تطلع فى الجرايد».. قلت: ونِعم التربية والتعليم والذكاء والإحساس وأيضاً خفة الظل.. وتوجيهات السيد الوزير.. ها هو المربى الفاضل يصيغ مأساة مجتمعية شديدة الخطورة فى سخرية فظة وتهديد مستتر لفتيات صغيرات.. يعنى البعيد لا عقل ولا تربية ولا دم.. واضح جداً أن القانون الوزارى بمنع الضرب.. وتوجيهات السيد الوزير والوزارة باللى فيها فى وادى والمدرسين فى وادى آخر.. دخلت على النت فرأيت موقعاً اسمه «نطالب بإعدام قاتل الطفل إسلام»، وأصحاب الموقع والمتحدثون فيه تلاميذ صغار، وفوجئت بفيلم قصير جداً تم تصويره بواسطة موبايل، ويظهر فيه الأستاذ وهو يمسك بتلميذ وقد حاصره فى ركن الحجرة وأخذ يلوى ذراعه اليسرى خلف ظهره ويضغط بشدة، فيصرخ التلميذ، ثم أخذ يلوى ذراعه اليمنى بنفس الطريقة ثم بدأ يلطش وجهه بالأقلام، وهو يقول سائلاً: «قول فى المدارس ممنوع إيه؟ قول... هه... اتكلم» ويصفعه على وجهه بالقلم ويكرر: ممنوع إيه فى المدارس؟ هه.. والولد لا يستطيع التحدث من شدة الألم فقال أحدهم بصوت عال: «ممنوع الضرب»، فقال المدرس: «الضرب.. الضرب ممنوع فى المدارس.. أنا بقى عاوزك تروح تشتكينى لمستر رأفت»، ثم اشتد فى لى ذراعيه خلف ظهره حتى صرخ المسكين وانقطع الفيلم.. اسم المدرسة والمدرس والتلميذ على الموقع، وأيضاً تعليقات الصغار الذين لم يجدوا من يسمعهم فى هذا البلد المزدحم بالمسؤولين، فأخذوا يبثون شكاواهم لبعضهم البعض.. إلى هذا الحد وصل الحال بالأطفال، رجال المستقبل.. مستقبل مشرق بإذن الله.