عشق الفن صغيرًا، ومن أجله قرر "خلع" العِمة والجِبة والقفطان، واحتفظ بلقب "الشيخ" الذي ظل ملازمًا له حتى مماته، خاصة أنه من حفظة القرآن الكريم، وارتاد الكُتاب منذ نعومة أظافره، ودرس في الأزهر الشريف، وكان من عشاق سماع وترديد التواشيح الدينية. في 6 يناير 1896، ولد الطفل زكريا أحمد لأب كان عاملًا بالأزهر الشريف، أراد لابنه أن يكون مثله، وبالفعل حرص زكريا أحمد على دراسة اللغة العربية وجميع أنواع العلوم، وإجادة التلاوة، مستغلًا "حلاوة صوته". تأثر الشيخ زكريا أحمد بالمنشدين وتواشيحهم الدينية، وانجذب شيئًا فشيئا إلى الموسيقى وسحرته النغمات، سيطرت ألحان الشيخ سلامة حجازي وعبده الحامولي على تفكيره، وأصبح يتمنى أن يكون مثلهم يومًا ما. عشقه للموسيقى وانجذابه إليها لم ينل إعجاب والده الشيخ أحمد، ودّب "الخناق" بينهما، وبسبب قسوة الأب، ترك "زكريا" المنزل، لكن عادت المياه لمجاريها بعد فترة، وبرر الأب رفضه بأن أهل الفن "يموتون غلابة"، ولكن لم يُنصت الشاب لكلمات والده وانتصر لرغبته في أن يصبح "صيّتًا"، وترك نفسه تسير إلى عالم الطرب والغناء بعد فترة من أداء التواشيح الدينية. في بداياته التقى زكريا أحمد، بالشيخ سيد درويش، الذي أُُعجب به أشد إعجاب، وتأثر بألحانه ومسرحياته الغنائية، وحمل الراية بعد وفاة الشيخ سيد، وقام بتلحين عدد من المسرحيات للفنان على الكسار "دولة الحظ"، ولبديع خيري "الغول"، بخلاف تلحينه مسرحيات لفاطمة رشدي وعزيز عيد ومنيرة المهدية ونجيب الريحاني، ولكن قبل هذا تتلمذ الشيخ زكريا، على يد الشيخ الحريري، ودرس المقامات الموسيقية، والشيخ على محمود، والذي كان أحد بطانته "فرقته". صداقته بالشاعر بيرم التونسي، كانت من أهم محطات الحياة الفنية بالنسبة للشيخ زكريا أحمد، وقدما سويًا عدد من الأوبريتات والأغنيات الناجحة، ومن شدة ارتباطهما كانت المفارقة بأن الاثنان فارقا الحياة في نفس العام 1961 بفارق أيام قليلة، حيث توفى "بيرم" 5 يناير، و"زكريا" 14 فبراير. لقاءه بالسيدة أم كلثوم في بدايتها، كان بمثابة طوق النجاة لكل منهما، حيث وجد الشيخ زكريا صوتًا ذهبيًا يترجم نغماته ويأثر "السميعة"، ووجدت أم كلثوم، ألحانًا تضعها في مصاف أهل الفن والطرب، ومن أشهرها "هو صحيح الهوى غلاب"، و"عن العشاق سألوني"، و"غنيلي شوي شوي"، و"الورد جميل"، و"أنا في انتظارك مليت". ولكن بعد محطة النجاح الكبيرة لكل منهما قبل نهاية الأربعينات بسنوات قليلة، "تعكر الود" بين "ثومة" و"الشيخ"، ودب الخلاف بينهما ووصل إلى ساحة المحاكم، وذلك بعد اعتراض الشيخ زكريا على تقاضي أم كلثوم، عن الأغاني التي يتم إذاعتها مبالغ مالية كبيرة، الأمر الذي جعله يطلب "نسبته" احتفاظًا بحقوقه، ولكن لم تستجب الست، واستمر الخلاف سنوات طويلة. وانتهى الخلاف بينهما بطريقة غير متوقعة، حيث تدخل القاضي خلال نظر القضية، لإثناء الطرفين عن هذا الخلاف، لمكانة كل منهما، وبالفعل تصافح "ثومة والشيخ" وانتهى الخلاف، وعادا للتعاون من جديد. تميزت "الطقطوقة"، التي قدمّها الشيخ زكريا أحمد، بالخفة والبساطة والإبداع، من بينها، "ارخي الستارة اللي في ريحنا، لحسن جيرانا تجرحنا"، لمنيرة المهدية، كما قام بالغناء بصوته: "ياصلاة الزين على عزيزة يا صلاة الزين".