«الموازنة العامة للدولة» ليست مجرد وثيقة مالية للحكومة، وإنما هى انعكاس لنمط الأولويات الاقتصادية والتحيزات الاجتماعية والتوجهات السياسية لهذه الحكومة أو تلك، هكذا استقر الفكر المالى الحديث. وقد تعرضت الموازنة العامة خلال الثلاثين عاماً الماضية إلى تلاعبات ضخمة ومخالفات دستورية جسيمة، وخروج على مبدأ المشروعية المالية، الذى يقضى بضرورة اعتماد البرلمان لهذه الموازنة، والموافقة على كل تعديل يطرأ على بنودها وأبوابها. ومن أبرز وسائل التلاعب الذى قامت به حكومات الحزب الوطنى المنحل الآتى: 1- مواد التأشيرات العامة المصاحبة لقانون إصدار الموازنة؛ حيث دائماً ما كانت تتضمن مواد تسلب مجلس الشعب سلطته القانونية والدستورية على الموازنة واعتماداتها، وتنقلها فعلياً إلى سلطات رئيس الوزراء ووزير المالية ووزير التخطيط. 2- إدراج أموال كبيرة فى بندى «الاعتماد الإجمالى» و«الاحتياطات العامة»، وبعدها يجرى تسريب الجزء الأكبر من هذه الأموال من خلف ظهر مجلس الشعب والأجهزة الرقابية إلى قطاعى الدفاع والأمن ورئاسة الجمهورية. 3 - إخراج الهيئات الاقتصادية من حضن الموازنة العامة للدولة منذ عام 1980/1981 (القانون رقم 11 لسنة 1979) بحجة تحريرها من اللوائح والقيود الحكومية؛ فتحولت إلى إقطاعيات خاضعة لمن يديرها، خاصة ذات الفوائض المالية الكبيرة مثل هيئة البترول وهيئة قناة السويس والبنك المركزى والبنوك الحكومية، ومن هنا فإن أى إصلاح مالى وإعادة هيكلة للسياسة المالية ينبغى أن يبدأ من هنا. الآن.. كيف نعيد هيكلة الموازنة العامة للدولة، بحيث تحقق الأهداف التنموية المرجوة منها فى السنوات القليلة القادمة؟ نستطيع أن نشير إلى بعض هذه الإجراءات الضرورية ومنها: 1- الرجوع فوراً عن التلاعب الخطير الذى مارسه وزير المالية الأسبق «يوسف بطرس غالى» من خلال القانون رقم 87 لسنة 2004 الذى أعاد تنظيم وتبويب الموازنة بما يتوافق مع مطالب صندوق النقد الدولى ونظمه الإحصائية، تحت حجة الانتقال من موازنة البنود إلى موازنة البرامج والأداء؛ فلم يتحقق هذا على الإطلاق. 2- الرجوع مرة أخرى إلى التقسيم المتوازن لموازنة البنود مع إدخال تعديل يسمح بالمزاوجة بين هذا النظام وموازنة البرامج. 3- إعادة ضم الهيئات الاقتصادية إلى الموازنة العامة للدولة من أجل إخضاعها بصورة لصيقة للمراقبة المزدوجة من وزارة المالية وجهاز المحاسبات. 4- إعادة هيكلة الباب الأول (أجور ومرتبات) ووقف الهدر المالى بسبب تنوع وتعدد عناصر الأجور المتغيرة التى أصبحت تشكل حوالى 80% من إجمالى الاستحقاقات الأجرية للعاملين بأجهزة الحكومة المختلفة. 5- تقليص بندى «الاعتماد الإجمالى» و«الاحتياطات العامة» بما لا يزيد عن 1% من إجمالى نفقات الموازنة العامة. 6- مراجعة السياسة الضريبية والأخذ -ككل الدول المتحضرة- بنظم الضرائب التصاعدية والضرائب على الأرباح الرأسمالية Capital gains مع إعادة النظر فى نظم التحصيل الضريبى. التصنيفات | التتبع