بمناسبة العيد العاشر لمكتبة الإسكندرية تسلمت المكتبة قرابة نصف المليون كتاب، هدية من المعهد الملكى للدراسات الاستوائية فى هولندا ليصل مجموع الكتب فى المكتبة إلى أكثر من 2 مليون كتاب. لقد مرت الذكرى العاشرة لإنشاء مكتبة الإسكندرية دون أن تعيرها مصر كلها أدنى اهتمام.. وكأنها صارت نسياً منسياً أو كأنها همل، لا ذكر لها.. مع أن مكتبة الإسكندرية تعدّ من المؤسسات الثقافية القليلة فى العالم التى تعترف بها مكتبة الكونجرس الأمريكى والمكتبة البريطانية والمكتبة القومية الفرنسية.. وقد تعدّها قريناً ومنافساً لها.. رغم فارق العمر بين هذه المؤسسات الثلاث ومكتبة الإسكندرية. لقد نشأت مكتبة الإسكندرية بسواعد مصرية خالصة 100%.. وبدأت بخمسين شخصاً، معظمهم من الشباب المصرى الواعد وكل الذين يعملون فيها من المدير إلى الغفير مصريون. والآن تعد مكتبة الإسكندرية هى الرابعة على مستوى المكتبات الفرانكوفونية فى العالم.. وموقعها على النت يدخل عليه مليار زائر فى السنة الواحدة.. وزارها فى العام الأول لإنشائها مليون و400 ألف زائر.. وتعطى فى العام الواحد أكثر من 70 كورساً ثقافياً وتعليمياً للأطفال.. وهو المكان الوحيد فى مصر الذى يصور 800 ألف موقع على النت. وفى المكتبة 15 متحفاً دائماً منها مركز للخطوط ومتحف للمخطوطات ومركز لتوثيق التراث ومركز للحاسبات ومركز للفنون ومركز للدراسات السكندرية والبحر المتوسط ومركز لدراسات السلام الاجتماعى ومركز للدراسات التنموية. كما اهتمت مكتبة الإسكندرية بالتاريخ الحديث لمصر، وهى أول من أسست أرشيفاً كاملاً للزعماء والقادة مثل عبدالناصر والسادات ومحمد نجيب، وأرشيفاً لبطرس غالى.. وأخيراًً أهدت أسرة الفريق فوزى كل وثائقه، التى تهتم خاصة بحرب الاستنزاف، التى استمرت من 1967 إلى 1970م.. وهذه الأرشيفات تبنى على الوثائق التاريخية لكل ما يتعلق لعصر صاحبها. كما أسست أرشيفاً لبعض المؤسسات، ومنها على سبيل المثال أرشيف قناة السويس، وقامت بأرشفة كل أعداد مجلة «الهلال» المصرية كأقدم مجلة مصرية. كما قامت المكتبة بالتعاون مع العلامة د. كمال إمام بتجميع وتبويب وأرشفة 130 ألف رسالة جامعية، ماجستير ودكتوراه.. وقامت بتجميع مليون مقالة مهمة من مقالات الصحافة المصرية من 50 عاماً وتم ترقيمها وأرشفتها بأحدث الطرق العلمية والتكنولوجية. وتعد مكتبة الإسكندرية هى المكتبة الوحيدة فى العالم العربى التى تقبل كتبها فى مشروع ««viaf»، الذى تتعاون فيه المكتبة مع مكتبة الكونجرس الأمريكى والمكتبة الألمانية والفرنسية. ومن إنجازاتها إنشاء موسوعة الحياة، بحيث يكون لكل كائن حى من النباتات أو الحيوانات أو الفطريات له تعريف علمى شامل لكل ما يخص هذا الكائن الحى.. وتقع موسوعة الحياة التى أنجزتها المكتبة حتى الآن فى مليون و300 ألف صفحة، على موقعها على النت.. ويعد مشروع ال«سوبر كورس» من أهم المشاريع التى دشّنتها المكتبة.. حيث وضعت 170 ألف محاضرة علمية متميزة لعلماء كبار من علماء جائزة نوبل، بحيث تتاح هذه الخدمة للطلاب فى كل مكان. وقد استفاد من «السوبر كورس» أكثر من مليون تلميذ فى أنحاء العالم.. وهذه الخدمة وغيرها متاحة مجاناً للطلبة. كما أنشأت المكتبة مركزاً لدراسات الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامى المعاصر يشرف عليه د. صلاح الجوهرى. وقد أخرج المركز عدداً من الدراسات العلمية المتميزة.. وبها 70 ألف دورية علمية تشترك فيها المكتبة وتغطى كل فروع العلم.. وقد حلّت مكتبة الإسكندرية المشكلة المعقدة التى فشلت «جوجل» بكل إمكانياتها فى التغلب عليها.. وهى كيف يحول الكمبيوتر أى جملة عربية عادية إلى جملة مضبوطة بالعلامات النحوية مثل الضمة أو الكسرة أو الفتحة. وقامت المكتبة بمشروعها الأكبر فى تاريخها، وهو إنشاء «المدونة العربية»، وفيها قرابة 120 مليون كلمة.. وقامت بتحليل 55 مليون كلمة.. وهذه المدونة والمشروع أذهلا مدير «جوجل» نفسه.. حيث لم تستطع «جوجل» إنجاز هذا المشروع فى الوقت الذى نجح فيه مجموعة علماء مصريون، على رأسهم العلامة د. هشام الشريف. والخلاصة أن مكتبة الإسكندرية يعتبرها البعض مؤسسة ناجحة فى بلد فاشل.. ويعدها البعض تزخر بالعلماء الكبار فى بلد أصبح لا يعير العلم التفافاً أو فى بلد أصبح العلم وأهله فى مؤخرة الركب. ولولا أن مكتبة الإسكندرية لها استقلال مالى وإدارى عن الحكومة فى مصر أو غيرها، لنالها ما نال غيرها من فشل وانهيار وتدهور وتأخر. وقد نجحت المكتبة فى رسالتها الثقافية حينما نأت بنفسها عن دنيا السياسة وصراعاتها.. ولم ترهن نفسها لفصيل أو حزب سياسى أو ترهن إرادتها لحاكم معين.. فهى ملك لطلبة العلم فى مصر أو غيرها.. وهى إطلالة مصر على المستقبل ومهمتها الأساسية هى إنتاج وتوزيع المعرفة مجاناً على كل من يطلب العلم أو يريده أو يرغب فيه. وفى الختام، هل استطاعت المكتبة إيصال رسالتها إلى المواطن المصرى، خصوصاً فى الصعيد والدلتا والقرى؟ هل استطاعت الجامعات المصرية والمراكز البحثية الاستفادة من المكتبة، أم أن كلا الطرفين تقوقع على نفسه؟ وهل بمقدور المكتبة أن تنشأ أفرعاً لها فى بعض المحافظات الكبرى مثل أسيوط وطنطا وأسوان مثلاً؟