فى استطلاع للرأى أجراه «بيت الحكمة للدراسات الاستراتيجية» خلال الفترة من 21 إلى 25 أبريل على عينة من 2368 شخصا من 17 محافظة، تبين أن المصريين المشاركين فى الاستطلاع لهم أسبابهم فى التباين حول المواقف المختلفة التى يتبنونها. أولا: جمهوريات تويتر والفيس بوك والشارع المصرى من الواضح تماما أن هناك فجوة واضحة بين قطاعين من المصريين أحدهما يستخدم وسائل الاتصال الاجتماعى (الفيس بوك وتويتر) ومعظم هؤلاء المستخدمين تتراوح أعمارهم ما بين 19 إلى 35 سنة أما القطاع الآخر فلا يستخدم هذه الوسائل. وبسؤال هذه الشريحة من الشباب اتضح أن جزءا منهم يستخدم فيس بوك أكثر من تويتر وآخر العكس وجزءا ثالثا لا يستخدمهما. وقد كانت النتائج الخاصة بهذه الشريحة من الشباب مختلفة لحد بعيد عن النتيجة العامة للمصريين بصرف النظر عن استخدامهم لأدوات التواصل الاجتماعى أم لا. ولو كان الأمر بيد هؤلاء لذهبت معظم الأصوات لصالح عبدالمنعم أبوالفتوح الذى حصل على 25 بالمائة من المتوسط العام لمستخدمى الفيس بوك (14 بالمائة) وتويتر (11 بالمائة) ثم يأتى فى المرتبة الثانية خالد على بنسبة 21 بالمائة من المتوسط العام لمستخدمى الفيس بوك (9 بالمائة) وتويتر (12 بالمائة) ثم يأتى حمدين صباحى ثالثا بمتوسط عام 20 بالمائة لمستخدمى الفيس بوك (12 بالمائة) وتويتر (8 بالمائة) ثم يأتى محمد مرسى رابعا ويأتى عمرو موسى خامسا. وتنبع أهمية هذا التحليل من توضيح عدة أمور؛ فأولا: من الواضح أن «دولة الفيس بوك وتويتر» تختلف فى أولوياتها عن دولة بقية المصريين من حيث تفضيلاتهم الانتخابية، فإن كان المصريون فى الشارع منقسمين بين عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح ومحمد مرسى، فإن المصريين على شبكات التواصل الاجتماعى لهم حسابات مختلفة تضع عبدالمنعم أبوالفتوح وخالد على وحمدين صباحى فى المقدمة. ثانيا: هذه الفجوة فى التفضيلات توضح أننا بصدد سلم أولويات وتفضيلات مختلفة بين مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى (التى كانت من أهم أدوات إطلاق شرارة الثورة الأولى) وبين المصريين الآخرين بما يعنى أن هذه الفجوة لم تزل مستمرة حتى يومنا هذا. ثالثا: هذه الفجوة تصب فى صالح عبدالمنعم أبوالفتوح، بمعنى أن هذا الاسم، خلال الفترة التى أجرى فيها استطلاع الرأى، كان قاسما مشتركا بين توجهات الفريقين سواء من أهل الفيس بوك أو «الناس بوك» إذا جاز التعبير. ثانيا: الحيرة سيدة الموقف حين سئل المشاركون فى الاستطلاع عن الحزب الذى أعطوه أصواتهم فى الانتخابات السابقة، أجابوا إجابات متفاوتة، كما هو متوقع، ولكن ما لم يكن متوقعا هو حجم التردد الموجود عند قطاع من هؤلاء الناخبين بالنظر إلى ترددهم بشأن من الذى سيعطونه أصواتهم فى الانتخابات القادمة. وتبدو هناك بعض الحيرة بين أولئك الذين أعطوا أصواتهم بالفعل لحزب الحرية والعدالة حيث توجد نسبة تصل إلى 30 بالمائة لم تحسم اختيارها بعد بشأن من الذى ستعطيه أصواتها فى انتخابات الرئاسة، وتزداد الحيرة بالنظر إلى أولئك الذين أعطوا أصواتهم لحزب النور لتصل إلى حوالى 50 بالمائة. ويمكن إرجاع هذه الحيرة إلى عاملين أساسيين أولهما تعدد المرشحين الإسلاميين الحاليين وثانيهما غياب مرشح قوى يملأ الفراغ الذى تركه حازم صلاح أبوإسماعيل. بيد أن هذه الحيرة تبدو أكثر وضوحا فيمن صوتوا لصالح الأحزاب غير الإسلامية (مثل الوفد والكتلة)، وهذا مرة أخرى مفهوم فى ضوء حقيقة أن التيار الليبرالى لم يقدم مرشحين ذوى ثقل كبير من المحسوبين على الثورة التى أصبحت الشعار الأكبر الذى تلتف حوله الأحزاب. ولم يزل القادمون من «الثورة إلى الدولة» بعيدين عن القدرة على حشد الأسماء حولهم. وهذا كله يشير إلى أن قطاعا كبيرا من الناخبين (يصل إلى النصف) لن يصوتوا فى نفس الاتجاه بالضرورة، وهى ظاهرة الناخب المتردد (swing voters) أو الذين يغيرون توجهاتهم بين الأحزاب والمرشحين وفقا لمعطيات كل انتخابات بذاتها (splite ticket)، بما يعنى أن مفاجآت كثيرة قد تحدث. ثالثا: تقييم مسار الثورة المصريون فى حيرة من أمرهم بشأن تقييم الثورة حيث يتساوى من يظنون أن الثورة كانت حدثا إيجابيا فى تاريخ مصر مع من قالوا إنهم «غير متأكدين» إن كانت إيجابية أو سلبية بنسبة 43 بالمائة و44 بالمائة على التوالى. وكانت المحافظات الحضرية (القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، بور سعيد، الإسماعيلية، السويس) الأكثر ميلا للنظر بإيجابية للثورة بمتوسط 49 بالمائة، فى حين انخفضت هذه النسبة بشدة فى محافظات الصعيد لتصل إلى 39 بالمائة، وكانت فى محافظات الوجه البحرى فى حدود 41 بالمائة. والملاحظ أن الأشخاص ذوى المستوى التعليمى الأعلى كانوا بصفة عامة، وبغض النظر عن المحافظة، الأكثر ميلا للنظر بإيجابية للثورة. كما كان المتوسط العام للذين نظروا للثورة بالسلبية 13 بالمائة، معظمهم من الذين وصفوا أنفسهم بأن دخولهم تكفيهم جدا بما يعنى أن الأكثر دخلا بصفة عامة كانوا الأميل لانتقاد الثورة والتشكك فيها. ولا تبدو الملاحظات السابقة بعيدة عن التفسير المنطقى، حيث كانت المحافظات الحضرية الأكثر مشاركة فى الثورة مقارنة بمحافظات الريف سواء فى الصعيد أو الوجه البحرى فى حين كانت المحافظات الريفية الأكثر معاناة من ناحية فقدان فرص العمل أو التردى الأمنى. ويبدو منطقيا كذلك النظر للثورة بعين الريبة من قبل الفئات من ذوى المكانة الاقتصادية والاجتماعية المرتفعة حيث إن مطالب الثورة الدائمة كانت تحديدا لإعادة توزيع الدخل على النحو الذى سيقلل حتما من هامش الربح المتاح لهؤلاء كما أنها أخرجت الكثير من المطالب العمالية المكبوتة من عقالها لتجعل العلاقات القديمة القائمة بين العامل وصاحب العمل تهتز بتأثير الوضع الراهن على نحو يخلق مناخا من عدم الاستقرار والتيقن الطاردين للاستثمار سواء المحلى أو الأجنبى المتحالف مع نظيره المحلى. رابعا: تفاؤل المصريين بشأن المستقبل فى الفترات الصعبة من تاريخ أى مجتمع يكون التساؤل الأكبر هو مدى اعتقاد الناس أنها «شدة وستزول» أم أنها «حالة دائمة» تبعث على الإحباط واليأس. ولكن دائما مع الإنسان المصرى الذى مهما واجهته التحديات فإنه يعبر عن تفاؤله بأن الأمور سائرة آخر الأمر إلى خير. وكمتوسط عام فإن ثلثى المصريين متفائلون بشأن مستقبل البلاد ويرتفع هذا التفاؤل فى محافظات الصعيد (71 بالمائة من المبحوثين)، وينخفض فى المحافظات الحضرية حيث المزيد من التفاعل اليومى غير المنضبط والتعرض الكثيف لأجهزة الإعلام، كما يقول بعض المشاركين فى الاستطلاع، وهو ما ينطبق بدرجة أقل على محافظات الوجه البحرى. ولكن أهم ما فى هذه النتيجة أن المصريين يرون ضوءا فى آخر النفق وأنهم متطلعون بشدة لانتهاء الفترة الانتقالية ولاستعادة الدولة لهيبتها ومكانتها ووظيفتها الأصلية وهى الأمن. وهذا التفاؤل شرط ضرورى لأى نهضة مستقبلية. خلاصة القول، الانتخابات القادمة هى «انتخابات» فعلا، لا توجد فيها نتائج محددة سلفا، ولا يزال قطاع كبير من المصريين مترددا بين من يختار ولماذا. تتفاوت التقديرات، لكن ما لا شك فيه أن المصريين مقدمون على أولى تجاربهم فى كل تاريخهم لاختيار من يحكمهم فى يوم يتحول فيه الحاكم إلى محكوم والمحكوم إلى حاكم.