سوف تظل حيرة المصريين معلقة فوق رءوسهم فى اختيار الرئيس حتى آخر يوم وربما آخر لحظة من الإدلاء بأصواتهم أمام صناديق الاقتراع. فقد ساعدت الحملات الإعلانية والمناظرات التليفزيونية والمؤتمرات الانتخابية وجولات المرشحين فى إضفاء أجواء من عدم اليقين.. ضاعفت من شكوك الذين لم يحسموا أمرهم، ودفعت كثيرين إلى تغيير مواقفهم وتفضيلاتهم من مرشح لآخر. حيث فقدت كثير من الفوارق والمميزات قوة تأثيرها فى الإقناع. وبرزت شخصيات ما كان لها أن تبرز فى السباق على هذا النحو لغير سبب واضح، إلا بسبب الوقوع تحت وطأة الحيرة التى دفعت بأسهم الفريق شفيق إلى أعلى لتقترب أو تتجاوز الأصوات التى حققها محمد مرسى ثم عمرو موسى ثم عبدالمنعم أبوالفتوح ثم حمدين صباحى. تتحرك الكتل التصويتية كما تتحرك كثبان الرمال فى الصحراء. ومع ذلك فإن استطلاعات الرأى تؤكد أن 37 بالمائة من المصريين لم يحسموا أمرهم. ولم تذكر مراكز الاستطلاع الأسباب التى تدفع تلك النسبة إلى تغيير مواقفها أو الاحجام عن الانحياز إلى مرشح دون آخر. فى البداية كان الاختيار محصورا بين أبوالفتوح وعمرو موسى وجاءت المناظرة التليفزيونية وما صاحبها وتبعها من تحليلات ومزايدات، لتضع الناخب أمام اختيار محدد. فأنت إما أن تكون مؤيدا لمرشح يملك مميزات رجل الدولة وله باع طويل فى اتخاذ المواقف الحاسمة وله رؤية وتجربة دولية مثل عمرو موسى، أو أن تفضل مرشحا يمثل مزيجا من الوسطية مع قدر من الثورية والاتجاه الإسلامى المعتدل، وتؤيده جماعات من الشباب مثل أبوالفتوح! وكان طبيعيا ألا ترضى عن ذلك نسبة من الأصوات التى أصرت على أن تحسب موسى على النظام السابق، وتضع أبوالفتوح فى صفوف الإسلاميين، وتدعو إلى اختيار صباحى ناطقا باسم الثورة. وأجهد بعض الكتاب والشخصيات العامة أنفسهم فى الدعوة إلى انتخاب صباحى، إمعانا فى استلاب التأييد من أبوالفتوح أو شفيق أو الإخوان المسلمين. وفى سياق هذه التيارات المتصادمة، يصعب تجاهل القوة التنظيمية الهائلة لمرشح الحرية والعدالة من الإخوان المسلمين محمد مرسى. ويرى المراقبون أن الماكينة التنظيمية الضخمة والمنتشرة فى القرى والنجوع والمحافظات لحساب الإخوان، دفعت بحظوظ المرشح الإخوانى محمد مرسى إلى المقدمة. ولكنها بنفس القدر عكرت صفو الرؤية وأضعفت التأييد لهيمنة الجماعة، بسبب اندفاعها إلى بسط نفوذها على المؤسسة التشريعية وعلى كل شىء. وقد بدا خلال الأيام الأخيرة أن محاولة تغيير قانون المحكمة الدستورية العليا والتدخل فى أعمال السلطة القضائية، وقبل ذلك محاولة تغيير قانون الأزهر، مثار سخط على الأداء البرلمانى للأغلبية الإخوانية، التى أخذت تتحرك لهدم المؤسسات القائمة وإقامة مؤسسات خاضعة لنفوذها.. فما بالك حين يصبح الرئيس من بين صفوفهم، أى من حزب الأغلبية؟ وأكثر ما يثير الدهشة فى حركة الكتل التصويتية هو الصعود الذى لحق حجم التأييد لأحمد شفيق فى نتائج الاستطلاعات.. نقلته من المؤخرة إلى المقدمة ليتنافس مع محمد مرسى.. وتشير هذه الاستطلاعات إلى زيادة حجم التأييد لشفيق بين سكان الريف. كما ظهر أن نسب تأييد الشباب لأبوالفتوح قد انخفضت خلال الأيام الأخيرة. المؤكد أن المشهد العام لن يخلو من مفاجآت. وسوف يظل من الصعب حتى اللحظة الأخيرة إخراج المصريين من حالة الحيرة التى وجدوا أنفسهم فيها. كما أن من المستبعد أن يتنازل مرشح أو ينسحب فى اللحظة الأخيرة. ويبقى سؤال مهم، وهو كيف ستكون نسبة التصويت؟ وهل تتحقق النسبة التى حققت فى الانتخابات البرلمانية والتى شهدت إقبالا قارب ال60٪. فهل تصل نسبة التصويت فى الانتخابات الرياسية إلى نفس النسبة، أم تنعكس حالة الحيرة التى سجلت نسبة 37٪ لم يحسموا أمرهم على التصويت لمرشحى الرياسة؟! نقلا عن بوابة الشروق