في مثل هذا اليوم 17 مارس من عام 1892، تشهد الإسكندرية عروس البحر المتوسط، مولد واحد من أشهر مطربي مصر والعالم العربي، هو مغني نشيد "بلادي بلادي" الذي ألّفه شيخ المؤلفين المصريين محمد يونس القاضي من خطاب للزعيم مصطفى كامل، وهو النشيد الذي تحوّل فيما بعد إلى السلام الوطني لجمهورية مصر العربية حتى الآن.. إنه الشيخ سيد درويش، الذي التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 1905 ثم عمل في الغناء على المقاهي. وتأتي ذكرى مولد الفنان الراحل في وقت يعاني فيه الوطن من أزمات طاحنة على الجانب الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي.. وكأن لسان حال سيد درويش الآن يقول "قوم يا مصري مصر دايمًا بتناديك". لم ينسَ الموسيقار الراحل الحديث عن صعوبة الحياة وكأنه يذكّرنا بالتقشف والضغط على النفس و"إن كله عشان مصر"، فيقول سيد درويش "شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك.. لا بد عن يوم برضه ويعدّلها سيدك"، كما يصف منهج "الوصوليين" في الحياة قائلاً "عشان ما نعلا ونعلا ونعلا.. لازم نطاطي نطاطي نطاطي". "الحلوة دي قامت تعجن في البدرية والديك بيدن كوكو كوكو في الفجرية.. يالله بنا على باب الله يا صنايعية يجعل صباحك صباح الخير ياسطى عطية"، يتحدث "مطرب الشعب" في هذه الأغنية عن العمل، ولم ينسَ الغناء ل"البوابين" في أغنيته "هلي هالله". تزوج سيد درويش وهو في السادسة عشرة من عمره، وعمل مع الفرق الموسيقية، ثم اشتغل عامل بناء، وأتقن العزف على العود بعد سفره إلى الشام في رحلة استمرت حتى عام 1914، وهو أول مَن أدخل الغناء البوليفوني لمصر، وهو غناء يعتمد على أكثر من صوت واحد. ويرى سيد درويش أن "الموسيقى لغة عالمية ونحن نخطئ عندما نصبغها بصبغة محلية، حيث يستطيع اليوناني أو الإنجليزي أن يفهم ويتصور معاني أي موسيقى أخرى عالمية". يرحل "مطرب الشعب" سيد دريش عن عالمنا في 15 سبتمبر من عام 1923 وعمره (31 عامًا)، وظلّت وفاته لغزًا، فذهب البعض إلى أن يد الاحتلال الإنجليزي تقف وراء مقتل سيد درويش بسبب تعلّق العب بأغانيه الوطنية ضد الاحتلال، فيما ذهب البعض الآخر إلى تفسير سبب وفاة "مطرب الشعب" بتناوله جرعة زائدة من الكحوليات... وما بين هذا وذاك "تعددت الأسباب والموت واحد"، ولا ينكر أحد البصمة التي خلّدها الفنان الراحل سيد درويش في عالم الموسيقى والغناء.