مهما كانت العقوبات التي اتخذها الغربيون، تستعد روسيا لمواجهة الأسوأ بالنسبة لاقتصادها الذي يعاني أصلا من انعكاسات الأزمة الأوكرانية وقد يدخل مرحلة ركود. ودخلت روسيا في مرحلة تباطؤ اقتصادي قبل التصعيد في الأزمة السياسية في كييف في أسوأ مواجهة دبلوماسية بين موسكو والدول الغربية منذ الحرب الباردة. ومع المخاوف من العقوبات وهروب الرساميل إلى الخارج، يخشى الاقتصاديون الآن من صدمة يصعب على الاقتصاد الروسي تحملها. ويرى المحللون في مصرف "في.تي.بي كابيتال" العام، أنه "سيكون من الصعب تفادي الركود"، متوقعين انكماش الاقتصاد في الفصلين الثاني والثالث من السنة الجارية وانخفاض نمو إجمالي الناتج الداخلي إلى الصفر على مجمل السنة. وأوضحوا أن "عدة مؤشرات تدل على أن الاقتصاد تلقى صدمة بسبب أجواء الغموض السائدة، إذ أن المؤسسات تؤجل الاستثمار والتوظيف في حين ترجئ العائلات نفقاتها غير الضرورية". وانخفض سعر صرف الروبل بأكثر من 12% أمام اليورو منذ بداية السنة الجارية، فيما ينذر التضخم بالارتفاع مع كبح الاستهلاك، لا سيما أن سعر العملة يخضع لمتابعة عن كثب من جانب شعب اعتاد على تخفيضات العملة بشكل دراماتيكي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. أما المؤسسات والمستثمرون فيبدو أنهم ينتظرون لرؤية أين سيؤدي التصعيد قبل الإقدام على مشاريع كبيرة. ويرى نيل شيرينج من مكتب كابيتال إيكونوميكس، أن العقوبات المتوقعة حتى الآن -والتي تستهدف كبار المسؤولين بدلا من المؤسسات- ستكون لها "انعكاسات محدودة"، "لكن الانعكاس الكبير غير المباشر، وخصوصا استباق عقوبات جديدة أشد، قد يتسبب في أضرار أكبر". والأسبوع الماضي حذر وزير المالية الروسي السابق ألكيسي كودرين الذي يحظى باحترام كبير في أوساط الأعمال الدولية من أن الاقتصاد الروسي قد بدأ يتأثر بانعكاسات التوتر حول أوكرانيا. وقال الوزير في تصريحات نشرت الجمعة على الإنترنت "بإمكاني القول من الآن وبثقة إن القروض لروسيا بصدد التجميد". وأوضح أن "القروض التي أخذتها مؤسساتنا في الخارج تبلغ 700 مليار دولار حاليا واليوم بدأت تتقلص بسبب إلغاء العديد من خطوط الائتمان وستتوقف بعض المشاريع المشتركة، وقد بدأ ذلك أصلا". غير أن غياب الاستثمار هو السبب الأساسي في تراجع النمو في روسيا كما يرى الاقتصاديون (1,3% خلال 2013 مقابل 3،4% خلال 2012 و4،3 خلال 2011)، وقد استفادت البلاد في مطلع سنوات الألفين من استعادة قدراتها الإنتاجية التي كانت تتمتع بها في عهد الاتحاد السوفياتي وارتفاع أسعار المحروقات لكن السلطات الروسية تقر بأن النموذج قد تم استنفاده. وقد أبرمت كبرى الشركات الروسية في كافة المجالات تقريبا مثل النفط وصناعة السيارات والقطارات والدفاع والصناعة الزراعية والبناء، شراكات مع شركات غربية متعددة الجنسيات من أجل التحديث رغم أن موسكو تحاول إعادة توازن اقتصادها في اتجاه آسيا. وقد جعلت موسكو من تحسين جاذبيتها إزاء المستثمرين الأجانب خلال السنوات الأخيرة أولوية مع واجهات في شكل أحداث دولية مثل قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبورغ في سبتمبر الماضي وخصوصا الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي مؤخرا. واليوم ومع انهيار كل هذه الجهود، يبدو أن روسيا مقبلة على سنوات عجاف. وتحدث الاقتصادي مايكل هيوسن، من "سي إم سي ماركتس" عن "عودة أصول على نطاق واسع من جانب مصارف وشركات"، استعدادا لعقوبات محتملة قد تستهدفها. ويرى بعض المحللين أن الانيهار غير المعتاد في قيمة الديون العامة الأمريكية التي تملكها كيانات أجنبية، قد يعود إلى استعادة البنك المركزي الروسي قسما من أصوله لحماية خزانته من العملة التي تدعمها المحروقات. وعلقت صحيفة "فيدوموستي" الاقتصادية، بالقول: "دخلنا في لعبة ليست فقط سياسية بل اقتصادية أيضا، وهذا يدل على أن روسيا مستعدة لعقوبات أشد: أي سيناريو يشبه الإيراني". أما بشأن عقوبات روسية محتملة تستهدف شخصيات أوروبية أو أمريكية مع حظر التأشيرات، فإنه سيكون لها القليل من الانعكاس ما قد يؤدي بالسلطات إلى اختيار "عرقلة نشاطات الشركات الغربية في روسيا" وفق خبراء مكتب "يوراسياجروب".