الحُمق كساد العقل وبواره، وحمُقت السوق أى بارت وكسدت بضاعتها، والأحمق كاسد الرأى والعقل، فقير الفكر، وعقيم المنطق، يطلب ما ليس له الحق فيه، ولا يقبل بعضه، ويطلبه فى غير أوانه أو موضعه، ويلح على المدين ويعلم أنه لا طاقة له على الوفاء فيدفعه لإنكار الحق مكابراً ومعانداً، ويرفض السداد غداً ويحاصره فيدفعه إلى الهروب مرة تلو الأخرى تحت الإلحاح والاعتصام حتى يجد المدين الخلاص من الدين، فلا طال الأحمق بلح الشام فى الأولى ولا عنب اليمن فى الثانية، ويراهن الأحمق على اكتمال الحق فى غير موضعه ولا يجىء، ويرفض الممكن لإصراره على اكتمال حقه ويخالف ما استقر عليه العقلاء (خذ ما فى يديه الآن وحارب على الباقى غداً)، ويُغالى فى طلب الحق ويزيد عليه فيحسبه المدين أو الراعى سارقه فيبخسه حقه، وقديماً قال حكيم حين سألوه كيف تعامل الأحمق: «أبخسه حين يطلب الحق بعينه، إذ متى أعطيته حقه طلب ما هو أكثر منه». والحمقى لا يتركون بناء يُبنى أو يكتمل فيهدموه كل يوم بحثاً عن حق هو فى تمام اكتماله، وقديماً قال أحد الشعراء «متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامه.. إذا كنت تبنيه وغيرُك يهدم؟» فلا يترك الأحمق المسيرة تسير أو الطعام ينضج فيتلقفه ساخناً قبل أوان نضجه، فلا شبع من إطعام ولا استطعمه، وتحسبه يفهم أن الطعام لا يؤكل إلا بتمام نضجه وهو مُصرٌّ على تناوله دون نُضج. ويهدم ما بنيناه بالأمس أنقاضاً فلا يكفيه حقه من بيعه، ولا يترك البناء يكتمل فيحصل على حقه كاملاً، ويظن الأحمق أن عقله قادر على فهم ما لا نفهم، ومدركٌ أموراً لا ندركها، فيهدم البناء حتى لا يكون له فيه نصيب. والأحمق كالنعامة حمقاء لأنها تحتضن بيض غيرها وتُضيع بيضها وتركله وتكسره، فتُصيب فراخاً من رُقادها لغيرها، وتسعد أن فراخها قد ماتت قبل مولدها وفقسها، ونحن نحرق بأيدينا ما نتسوله غداً ونبنى لغيرنا ولا نترك بناء يكتمل، وننصح الغرباء بالعقل والصبر فينصرفون حامدين شاكرين كرم نصائحنا وننصرف نكيل الاتهامات لبعضنا، ونصد آذاننا عن سماع الحق ونصائح من نصحنا لنعرف فضل النصيحة لهم، ونحرق بأنفسنا ما زرعناه ونهدم بأيدينا ما بنيناه ثم نتصالح فى طابور التسول حتى ينفد ولا نفيق. والأحمق يتصدر مشهداً ليس له، ويبتسم حين تكون الصورة أقرب للبكاء، ويبكى حين تكون الصورة أقرب للسفه والضحك، فلا يميل حين يكون الميل آمناً حتى لا تُكسر رقبته من ريح عاتية قاسية. وقديماً قال أبوبكر: «إنما سُميت البقلة الحمقاء لأنها تنبت فى سبيل الماء وطريق الإبل فيجرفها السيل وتدهسها أقدام الإبل». والأحمق مغرور، ويحسب أنه فى عز ونعيم، وقال عمر بن الخطاب حين قرأ آية «يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ»: «الحُمق يا رب»، والحُمق قلة العقل والفهم، والأحمق عدو لنفسه لا يعرف متى يُقبل ومتى يُدبر ومتى يطلب ويُستجاب له، ومتى يحاور ولا يُستجاب له، ويُستجاب للعقلاء، ويتمسك بتلابيب الجهل ظناً أنه العلم وهو لا يدرى حتى لو أقسمنا له بذلك، قال الإمام الشافعى: «ما جادلت عالماً إلا غلبته وما جادلت جاهلاً إلا غلبنى». والحُمق صعب العلاج ينصرف عنه المرضى والأطباء، فالمريض لا يخجل من مرض معدٍ ويخجل أن يتصف بالحماقة، والطبيب ليس لديه علاج للحماقة (لكل داء دواء يستطب به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها)، فلا وقت يضيعه مع الحمقى. والحكمة عكس الحماقة، وهى حسن التدبير والتفكير وأن تُحسن الطلب وأوانه، فربما تأخذ فى أوانه أكثر من حقك ولا تأخذ فى غير أوانه بعضه. يا شعب.. انتبه، اطلب الحق فى حينه، واستطعم الطعام بعد نضجه، واترك البناء يكتمل ولا تستعجل بيع الأنقاض ولا تغال فى طلبه فيبخسك الحاكم الحق، وإلا أصبحنا حمقى.