مع استمرار تدهور أحوال التعليم الحكومى قبل الجامعى يفر كثير من المصريين إلى التعليم الخاص بأنواعه المختلفة، وكل حسب حالته الاجتماعية وظروفه الاقتصادية، ويمثل سوق التعليم الخاص «بيزنس» متعدد الدرجات يصل أحيانا لأرقام قياسية لا تقدر عليها سوى بعض الشرائح القادرة والبالغة الثراء. بغض النظر عن جودة التعليم فى هذه المدارس وعدم وجود معايير منهجية لقياس جودة التعليم فى كل مكونات العملية التعليمية من معلم ومناهج وبيئة تعليمية، فقد تحولت بعض المدارس إلى ما يشبه أندية الترفيه بمبانيها الفاخرة ووسائل الترفيه الموجودة فيها والتى تكون أحيانا أكثر من وسائل التعليم نفسها. كثير من المدارس الخاصة تختلق أسبابا لمطالبة أولياء الأمور برسوم ومصروفات إضافية، منها إعادة تجديدات الفصول والمبانى والتبرعات، بالإضافة إلى ما تدعيه كل مدرسة من فروق مصاريف المدارس الخاصة عن بعضها وغيرها من المسميات المختلفة والسبب فى ذلك هو غياب الرقابة على المدارس الخاصة، وعدم معرفة أولياء الأمور لمن يلجأون فى حالة شكهم فى أحقية حصول المدارس على هذه الزيادة فىالمصروفات. نحن نتحدث عن نموذج يشبه غالبية الأسر المصرية وهو أسرة مصرية متوسطة لها ثلاثة أبناء فى مراحل التعليم المختلفة وتحاول بكل الطرق الممكنة توفير مصاريف المدارس لأبنائها مع بداية كل عام، كم من هذه الأسر تقوم بالاقتراض وتدخل فى جمعيات وتشق على نفسها حتى يكمل أبناؤها تعليمهم، بالإضافة إلى عبء الدروس الخصوصية التى لا يستغنى عنها طالب فى مصر. التعليم الخاص فى مصر تقترب طاقته الاستيعابية الآن لتصل إلى ما يقرب من 20% من التعليم قبل الجامعى بسبب تردى أوضاع التعليم الحكومى، وعلى الجانب الآخر يرى أصحاب المدارس الخاصة أنهم مضطرون لذلك بسبب كثرة الأعباء المالية المفروضة، ويرى أصحابها أنها ستصبح غير قادرة على مواصلة دورها التعليمى، بسبب ضعف المصروفات الدراسية التى تحصل عليها من الطالب، خاصة فى ظل مطالبة المدارس بتحقيق ضمان الجودة، لاعتمادها من الهيئة القومية لضمان جودة اعتماد المؤسسات التعليمية، وإلحاق مدرسيها بأكاديمية المعلم للحصول على الكادر مثل مدرسى المدارس الحكومية، وهو ما سيؤدى إلى تكلفة المدارس مبالغ إضافية، ومصروفات تدريبات المدرسين. ويؤكد أصحاب المدارس الخاصة أن مشاكلهم زادت بعد إلغاء الإعفاء الضريبى للمدارس الخاصة الذى كان معمولاً به قبل صدور قانون الضرائب الجديد، الذى تعمد إخضاع المدارس الخاصة للضرائب دون النظر للأعباء المالية الإضافية التى ستلقى على عاتق أولياء الأمور. نحن أمام إشكالية من طرفين ولا يمكن أن نتهم كل أصحاب المدارس الخاصة بالجشع ولا يمكن أن نترك الأسر المصرية تزيد معاناتها فوق ما تستطيع. لا شك أن إصلاح منظومة التعليم الحكومى سيأخذ وقتا طويلا وهو الاتجاه الأول الذى يجب أن نسير فيه ولكن حتى يحدث ذلك لا بد من تكوين لجنة مشتركة من وزارتى التربية والتعليم والمالية وممثلى أولياء الأمور لطلاب المدارس الخاصة وكذلك ممثلين لأصحاب المدارس لوضع معايير عادلة لتحديد المصروفات السنوية وأسباب زيادتها. على السيد وزير التعليم التحرك الفورى والسير بالتوازى فى مسار إصلاح التعليم العام ورفع المعاناة عن الأسر المصرية التى لم تعد تستطيع تدبير ظروفها وسط تدهور الظروف الاقتصادية وغلاء المعيشة.