خاطب المهندس إبراهيم محلب الشعب فى بداية تحمله لمسئولية رئاسة الحكومة طالباً من المواطنين الامتناع عن المطالب الفئوية والاعتصامات والتوجه إلى الإنتاج وإعطاء الحكومة فرصة لبحث المشكلات والتوصل إلى حلول مرضية للكافة. وتكرر هذا الطلب من رئيس الوزراء فى كل مكان التقى فيه المواطنين، وكان ذلك الطلب أحد المحاور المهمة فى خطابه الأول للشعب الذى جاء فيه: «أُدركُ تماما أن المسئوليةَ كبيرةٌ والتحدياتِ أكبر، لكننى معتمد على الله ومتوكل عليهِ ثم على بنى وطنى الذين هزموا الهزيمةَ وانتصروا دائماً بعون الله فى جميع المعاركِ التى فُرضت عليهم.. سنقومُ معاً بتحدى الأزمات واقتحامِ الصعابِ لنصلَ بسفينة الوطنِ إلى بر الأمان..». وجاء فى الخطاب أيضاً: «إن الحكومةَ تدعو كافةَ أبناءِ الشعب إلى الإسهامِ فى بناء الوطنِ من خلالِ جديةِ العملِ وجودةِ الإنتاجِ والتفرغِ للبناء والتعمير، وتمد يد العون إلى كل فئات الشعب فى إطار القانون وما تقتضيه نصوصُ الدستور». وعن تعهده بفرض الأمن ومواجهة الإرهاب بكل الأدوات والسبل القانونية الحاسمة والسعى إلى استعادة الاستقرار وانضباط الشارع، قال المهندس محلب: «ونعول على الدور الوطنى للأزهر الشريف والكنيسة المصرية ودور العلماء والمفكرين والمثقفين فى مواجهة الفكر التكفيرى وكل ألوان التشدد والتطرف». وجاء فى خطاب «محلب» أنه يتعهد «بالسعى إلى إيجاد الحلول العاجلة لكافة المتطلبات الأساسية التى تحقق الحد الأدنى من المعيشة الكريمة لشعب مصر فى إطار محدودية الإمكانات، ملتزمين فى ذلك بتحقيق العدالة فى التوزيع»، وكذا «السعى إلى معالجة الاختلالات الهيكلية فى بنية الاقتصاد المصرى واستعادة توازناته الداخلية والخارجية وتوفير المناخ الاستثمارى الملائم لجذب الاستثمارات المحلية والدولية وخلق فرص العمل اللائق التى تحتوى الجميع». واختتم المهندس محلب خطابه الأول للشعب الصابر بقوله: «أوجه لكم كلمة من القلب والوجدان. أناشد من خلالها فيكم الوطنية والضمير الحى وحب الوطن. حان وقت العمل والإنتاج. لا صوت يعلو الآن فوق صوت البناء والتنمية. لنوقف أى أنواع من الاعتصامات والاحتجاجات والإضرابات ودعونا نبنِ وطننا. أعى تماماً ضغوط الحياة ومتطلبات المعيشة وأدرك أن هناك بعض الأمور التى تحتاج أن يُستجاب إليها برؤية جديدة. وستُؤخذ مطالبكم بمنتهى الجدية. ولكنى أعلم أيضاً مدى حبكم للوطن ورغبتكم فى إعلاء شأنه وبنائه. ارفعوا مطالبكم من خلال ممثليكم حتى لا تتوقف عملية البناء. وسنصل لحل عادل ومُرضٍ لجميع الأطراف بالاتفاق، مهتدين فى ذلك بنبراس العدالة الاجتماعية التى نسعى جميعاً لتحقيقها». وعلى ذلك النهج جاءت كلمات المشير السيسى فى لقاءاته الأخيرة التى بدا كأنه يمهد لإعلان ترشحه للرئاسة بتحذير الشعب من خطورة التحديات ونقص الإمكانات وطلبه من الشعب المبادرة إلى تقديم كل ما يملكه من قدرات إلى الوطن دون انتظار عطاء فى المقابل، فقد أعطت مصر لشعبها الكثير، ولن يستطيع المصريون مهما قدموا للوطن أن يصلوا إلى مستوى عطاء مصر وخيرها على أبنائها. مجمل القول: إن رئيس الحكومة والمرشح الرئاسى الذى يطالب به الشعب يوضحان أن على الشعب مسئولية المشاركة فى حل ما يعترض الوطن من مشكلات وصعاب، وأنه يجب على الشعب أن يبادر إلى العمل والإنتاج ويتفرغ للبناء حتى تجد الدولة الحلول الممكنة وتتمكن من تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين توزيع الدخول ورفع كفاءة الخدمات وتحقيق مستوى حياة أفضل لأبناء الشعب. وهذا المنطق مقبول بشرط أن تتوازن المسئوليات بين الشعب والحكومة وفقاً لمدى السلطة والموارد المتاحة لكل منهما؛ إذ لا يعقل أن يصبر الناس على البطالة والفقر وانتشار الأمراض وتردى الخدمات وانعدام تكافؤ الفرص والحياة فى عشوائيات لا تتوافر فيها أدنى شروط الحياة الآدمية، فى وقت لا تقدم فيه الحكومة أدلة ملموسة على قدرتها فى ترتيب الأولويات واتخاذ إجراءات للتخفيف من مصاعب الحياة وبما يساعد الناس المطالبين بالصبر على أن يصبروا. لقد تكررت مقولة رئيس الوزراء: «إننا لا نملك رفاهية الانتظار»، وتلك مقولة حق، لكن معناها الحقيقى أنه على الحكومة أن تبادر بالعمل الجاد وفق أولويات واضحة وأهداف محددة فى توقيتات معلنة، وأن الشعب لا يمكن أن يصبر إلى الأبد، فللصبر حدود، والانفجار الشعبى قادم لا محالة إن لم تكن الحكومة «المعدلة» بالقدرة والكفاءة على إنجاز حلول غير تقليدية لمشاكل الشعب التقليدية. إن الناس قد يصبرون أسابيع أو شهورا، ولكن بشرط أن تتبدى ملامح ومؤشرات الكفاءة والنجاح فى حل مشاكلهم على الأرض. ولكن مع كل التقدير للجهد الذى يبذله رئيس الوزراء وبعض وزرائه فإنه، رغم انعقاد الاجتماع الأول لمجلس الوزراء يوم الخميس 6 مارس الحالى، فكل الذى تم تحقيقه هو مزيد من الأمانى الطيبة من جانب المهندس محلب، وتسابق بين الوزراء على القيام بجولات وزيارات ميدانية أزعم وأرجو أن أكون مخطئاً أنها تجرى بلا تخطيط أو تحديد للأهداف والنتائج المرجوة منها، بدليل أن المهندس محلب نبه فى اجتماع مجلس الوزراء إلى ضرورة متابعة ما يتم فى تلك الزيارات الميدانية حتى تتحقق لها نتائج ملموسة يشعر بها الناس فى الواقع. إن الطريق لإعادة بناء الوطن طويل وشاق، والشعب والحكومة شريكان فى عملية البناء، لكن مسئولية الحكومة أشد وأخطر، مما يستوجب تجنب أخطاء الحكومة «الببلاوية» التى تشكلت وأقيلت بعد ما يقرب من ثمانية أشهر دون أن نرى لها خطة أو برنامج عمل. حمى الله مصر من أفعال أبنائها، أما أعداؤها فهى كفيلة بهم.