اقتطعت من أتعابي في قضية "صحة توقيع" مبلغ 400 جنية، وذهبت إلى نقابة المحامين لكى أسدد اشتراك النقابة السنوي، الذى تضاعف دون أن أحصل علي على أي مميزات. تذكرت حينها سؤال أمي الذي وقع علي كالصدمة "هتيجى تاخد صورتى وصورة أبوك إمتى علشان تعملنا معاك البطاقة العلاجية زي كل سنة؟".. لم تذهب أمي إلى مستشفيات الحكومة ولم تتعامل مع التأمين الصحي، وتتباهى أمام جيرانها "أنا ابنى مشترك لي في البطاقة العلاجية، وبروح معامل كبيرة، ربنا يخليه ليا". لا أعرف كيف أتصرف الآن، فلم يعد في استطاعتي أن أسدد 2000 جنية رسم الاشتراك لوالدي، ولم أتحمل أن أصارح أبى وأمي باننى "لن استطيع أن أضع صوركم في بطاقتي العلاجية هذا العام، وربما لأعوام قادمة". مشهد أمي وأنا أقف معها في طابور الكشف بمستشفى حكومي لم أعد أتحمل أن أتخيله، ولا أن يطلب منى أبى إجراء تحليل الكبد والسكر.. لساني لا يطاوعني أن أقول لهم أني لم أسدد الاشتراك في نقابتي. لن أتحمل أن يقال لي "يجب أن تتوجه إلى معمل تحاليل التأمين الصحي".. لا أحد يدرى بأن المحامي الذى يتردد كل يوم أمام المحاكم والأقسام الشرطية لم يعد قادرا على سداد 3000 الأف جنية لاستخراج بطاقة علاجية له ولعائلته التي إعتاد من قبل على استخراجها بقليل من الرسوم. بالفعل قمت بسداد الرسم، أحضرت صورة واحدة فقط هذا العام، إنها صورتي الشخصية، احتفظت بها في حافظتي، دون صور باقي أفراد أسرتي، لم أحمل هذا العام صور أبنائي ولا زوجتي، ولم اطلب صور من والدى. سألني موظف النقابة "انت بس يا أستاذ".. قلت "نعم" وأومأت برأسي في حسرة على ما وصلت إليه من ذل وإهانة معنوية لي أمام عائلتي.. المواعيد قد أوشكت على الانتهاء دون أن أدبر لهم المبلغ من كثرة الالتزمات الملقاه على عاتقي، من مأكل ومشرب وسداد إيجار المنزل والمكتب. أنظر بحسرة إلى البطاقة العلاجية في يد الموظف وهو يضع صورتي الشخصية بها، ثم يقوم بتدبيس الصور بدبوسين يخترقان مقدمة رأسى، أكاد أن أشعر بهما في الطبيعة، "اتفضل يا استاذ".. أقلب صفحات البطاقة لم أجد الصور التي أعتدت أن أراها.. زوجتي، وأبنائي، أبى، وأمي.. لم أكن أريد أن استخرجها لنفسي لنتساوى جميعا، ولكن البطاقة لي اجباري وليس اختيارى هذا العام. شكرا سعادة النقيب لقد فرقت أسرتي فلم نعد تجمعنا بطاقة واحدة كما السابق، لقد أصبحت وحيدا في البطاقة العلاجية. (ملحوظة: الآراء المنشورة في قسم "م الآخر" كتبها القراء، ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع وجريدة "الوطن"، وإنما تعبر عن آراء أصحابها)