«لو كنتم سبتولنا موضوع التفاوض كنا نزلنا المبلغ حبتين».. الكلمات السابقة ليست لسمسار مواشى ولا تاجر سيارات، بل نطقها ضابط شرطة فى قسم النزهة، لم ينطقها طبعاً فى مشهد كوميدى فى أحد الأفلام الرخيصة، بل قالها معقباً على والد طفل أبلغه بأنه اضطر لدفع فدية لعصابة خطفت نجله بعد فشل المباحث فى إعادة الطفل رغم إبلاغهم. المجنى عليه هو الطفل زياد يوسف، 14 سنة، خرج من منزله قبل أيام لمقابلة أصدقاء له، وتعرض للاختطاف، ساوم المتهمون والده لدفع مبلغ مالى قيمته 300 ألف جنيه، إلا أن والد المجنى عليه لجأ لضباط شرطة النزهة الذين أبدوا استعدادهم للعب دور «سمسار» فى تخفيض المبلغ المطلوب وليس تحرير المجنى عليه، تلقى الرجل مكالمة هاتفية من أحد الجناة يعاتبه على إبلاغ الشرطة قائلا: «دا مايتكررش تانى، إحنا لينا عيون جوه بتبلغنا بكل حاجة». تمكن اليأس من الأب المكلوم ولم يجد أمامه سوى دفع الفدية واتباع تعليمات الخاطفين من حيث تسليم المبلغ فى أماكن تم تغييرها أكثر من مرة، وفى النهاية كان رد الضباط: «مش كنتم تقولوا كنا خفضنا المبلغ حبتين»، فرد الرجل بسذاجة: «طيب امسكوهم»، ضحك الضابط: «إيه يا عم؟ مش قوى كده، إنت فاكر نفسك فى أمريكا؟». «الوطن» انتقلت لمنزل المجنى عليه، وتقابلت مع أسرته. يقول «زياد»: «يوم 7 فبراير اتصل أحد الأشخاص على أخويا الكبير وقاله أنا اسمى وائل وعايز رقم زياد، واتصل بيا، وبدأ يقلد أصوات بنات معجبة بيا، ولما طلبت منه مايتصلش تانى، قالى أنا عارف بيتك فين وهجيبك متكتف. وانا خفت، مارضيتش أبلغ حد من أهلى، وبدأت أشتمه لما اتصل عليا تانى، وهو قالى مش هسيبك، أنا خفت وكلمته أنا وصحابى نعتذر له عشان ماحدش يؤذينى، ورجع يكلمنى تانى ويتصل يطمن عليا، لغاية يوم الأربعاء 12 فبراير، كنت فى الشارع اتصل عليا رقم تانى أنا ماعرفهوش ومارضيش يتكلم، ويوم الخميس كنت نازل من البيت رايح أقابل أصحابى، ولاحظت حركة مش طبيعية قدام باب العمارة». «لما نزلت لقيت شخصين ماعرفهمش واقفين قدام باب العمارة، أنا شكيت فيهم ومشيت عادى، ولاحظت إنهم ماشيين ورايا لغاية ما وصلت منطقة فيها بنك ومعرض سيارات، وفوجئت بواحد منهم قرب منى والتانى جاى، ومسكونى وعايزين يركبونى تاكسى، وانا مارضيتش وحاولت أقاومهم وأعطلهم ممكن حد يعدى ينقذنى أو هما يهربوا، وواحد منهم طلع مطوة من هدومه وضربنى فى رجلى، وحطونى فى التاكسى تحت رجليهم وغموا عينى، بس كنت شايف المبانى وعارفها، ومشيوا بيا ناحية ميدان الحجاز، وبعدين دخلنا فى مكان كانت فيه أصوات بتقول: مساكن مساكن، دا موقف، وبعدين نزل بينا نفق السلام، ودخلوا طريق يمين وهى نزلة مدينة السلام، وفضلوا ماشيين فى طرق ضيقة وحوارى لغاية مانزلونى من العربية». «لما وصلت هناك نزلونى من العربية، وكانت هدومى كلها دم، ونزلت لقيت واحد بيقولى إحنا عارفين أبوك وأمك وعارفين هما ساكنين فين وانهم لوحدهم، وسألنى: أبوك بيشتغل إيه؟ قلتلهم محاسب، وقالى: يعنى أبوك موظف؟ أمال خطفوك ليه ما دام أبوك موظف؟ وجابلى أكل وعصير، وطلب منى إنى أقلع بنطلونى عشان يداوى الجرح وحطلى بيتادين، وقلتله إنت بتعاملنى كويس ليه؟ ورد عليا: أنا معايا ولاد زيك يا ابنى». ويقول الأب: «بعد اختطاف زياد تلقيت اتصالات من الخاطفين، وطلبوا منى إنى أدفع فديه 300 ألف جنيه، وقلتلهم: طيب أجيبها منين دا مفيش بنوك الجمعة والسبت؟ ورفضوا أى مفاوضات لتقليل المبلغ المطلوب، أنا رحت القسم عشان أبلغ، بس مالقيتش من الضباط أى استعداد لإنقاذ ابنى، واللى محيرنى إن ابنى إدى الخاطفين الرقم الفودافون بس كانوا بيتصلوا على رقمى الموبينيل مش عارف جابوه منين! كان موجود معانا أحد أقاربنا بيشتغل صحفى فى جريدة كبيرة، هما لما عرفوا كدا فيه ضابط اتكلم مع ابنى التانى محمود وقاله: أى كلام ما بينا مايطلعش لحد وخصوصاً الصحفى دا. وبدأ الضباط يطمنونا إنهم هيعملوا أى حاجة وينقذوا زياد، وقالولنا إن زياد فوق سطوح عمارة فى عين شمس، ودا اللى ثبت عكسه فيما بعد، واتكلمت مع ضابط اسمه أحمد لطفى، معاون مباحث القسم، عشان أتواصل معاه وأبلغه بأى حاجة تحصل، وفوجئت برد غريب منه وقالى: خد رقمى، ولو اتصلت مش هرد عليكم! ومشيت من القسم بعدما قررت إنى أتفاوض مع الخاطفين، وبعد ما وصلت البيت اتصلوا بيا وعاتبونى إنى رحت هناك، وواحد منهم قالى: أنا زعلان منك عشان انت رحت القسم، إحنا عيوننا هناك وبتبلغنا بكل حاجة تحصل. وبعدها زياد كلم والدته وقال لها إنه كويس بس لازم ندفع المبلغ كامل، واتصلوا عليا تانى وحددوا معايا معاد نهائى لتسليم الفلوس». «وفعلاً توجهت إحدى قريباتى ومعها المبلغ وكانوا مراقبينها خطوة بخطوة، وغيروا مكان التسليم أكتر من مرة، وكان فيه عربية يستقلها ابنى محمود ماشية وراها، واتصلوا على الرقم اللى معاها وأمروها تخلى العربية اللى ماشية وراها تهدى شوية، وبالفعل وصلت لآخر مكان وهو دهشور، ودخلت مكان كل اللى فيه شايلين سلاح، وفجأة طلع قدامها واحد راكب موتوسيكل أخد منها الفلوس، وأخبرها أن زياد فى المؤسسة». «أنا رحت على المؤسسة، وهناك لقيت زياد متبهدل بعد ما سابوه ودفعوله 10 جنيه عشان يعرف يروح بيها، ووصلنا البيت وبعدين نزلنا القسم تانى عشان أعرفهم إنى جبت ابنى واسألهم عن دورهم فى الواقعة دى، وفيه ضابط قالى: انت دفعت 300 ألف جنيه ليه؟ لو كنت قلتلنا كدا كنا هنعرف نخفض المبلغ شوية، عموماً حمدلله على سلامته. ولما دخلنا على رئيس المباحث، اسمه حسن السيسى، وزياد عايز يوصفله أشكال المتهمين قاله: متهمين مين عشان نجيبهم؟ إنت فاكر نفسك فى أمريكا؟! وأغلق المحضر. وأنا باطالب وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم واللواء أسامة الصغير مدير أمن القاهرة إنهم يحققوا فى الواقعة دى، وازاى واحد ابنه مخطوف مايلاقيش من الشرطة غير اللامبالاة وكأنه مش بشر! أنا عايز حق زياد وحق ناس كتير مالقيتش من الشرطة غير البلادة فى المشاعر والتكاسل عن أداء عملها».