عندما أشاهد برنامج باسم يوسف وأتابع كل أسبوع ردود فعل الناس حوله ما بين مؤيد متحمس وبين الهجوم عليه أو هؤلاء الذين اشتروا عقولهم وغرقوا فى نوبات الضحك على نكاته وقفشاته.. أتذكر أحوال الإمبراطورية الرومانية فى أيام سقوطها وانهيارها الأخير الذى تناولته الأفلام بأشكال عديدة..الشعب إما غارق فى الملذات وبحور الخمر والغوانى والعبيد، أو جالس فى مقاعد المتفرجين فى حلبة الكوليسوم يستمتع بمشاهد مصارعة الأسود وأشلاء المحاربين، وفى الكواليس ومجالس الساسة والزعماء هناك دائماً أحاديث المؤامرة.. فرق وجماعات وعصابات سرية يتآمر كل منها على الآخر..! الإمبراطور فى وادٍ وبطانته وحاشيته وحكومته فى وادٍ، والشعب فى وادٍ آخر.. والعدو واقف بجيشه وعتاده على أبواب روما! روما تواجه خطر السقوط بشعب جائع منهك، ونخبة تائهة مشتتة مفتتة منقسمة على نفسها ومختلفة على كل شىء.. حتى على باسم يوسف! أليس بعض مما نشاهده فى مصر هذه الأيام يشبه ما كانت تعيشه روما لحظة الغرق فى متاهات المؤامرة والانقسام! وأليس ما نعيشه منذ 25 يناير 2011 يشبه فيلماً طويلاً كلما اقترب من نهايته بدأ من جديد ومن أول مشهد وكأننا ندور فى حلقة مجنونة يرفض المخرج أن يوقفها، أو كأننا ممثلون فى شريط سينما أصابه التلف فأخذ يدور فى مكانه بلا توقف؟! بذمتكم.. هل هذا حال بلد يخوض حرباً حقيقية علنية ومفتوحة تدور فوق خُمس أراضيه (المحتلة) فى سيناء؟!.. نعم أرض (محتلة) تماماً بكل جماعات وعصابات الإرهاب المحلى والدولى، حرب تمولها وتديرها دول وأجهزة مخابرات عالمية وإقليمية.. ومع ذلك فنحن هنا فى العاصمة مشغولون باللجاجة والتفاهة والبضاعة الفاسدة التى يقدمها للشعب إعلام أنانى وإعلاميون أصابتهم التخمة وجنون العظمة بعد أن نصّبوا أنفسهم زعماء للأمة! وبذمتكم.. هل هذه حكومة بلد جريح يعانى من تلال مشاكل متراكمة، ولا تبدو فى الأفق بوادر أو مبادرات مبدعة وخلاقة لمواجهتها؟!.. ولا أصدق كيف تجرؤ حكومة على تعطيل الدراسة وتدمير عام دراسى كامل فى المدارس والجامعات بهذه الصورة؟ ولا نعرف كيف نستغل ونستثمر طاقات ملايين الشباب فى عشرات المشروعات والمبادرات التى تستنهض الأمة وتقاوم اليأس والإحباط وتوقف إحساس الشباب بخيبة الأمل وضياع الحلم؟! وعندما أشاهد حالة السيولة والترهل والانسحاب التدريجى التى تعانى منها النخبة التى دخلت مرحلة جلد الذات وانعدام الوزن، أتذكر ثورة المثقفين العظيمة ضد وزير ثقافة الإخوان وضد أخونة الثقافة وهدم حضارة وتراث هذه الأمة.. وأتعجب كيف يتكور ويتشرنق المثقف بهذه السرعة مع أن الخطر الداهم أكبر ويهدد بشق البلد وتشرذم الشباب والمثقفين والأحزاب جماعات وفرقاً؟!.. وهل هناك أخطر من حرب يشنها تنظيم دولى وعصابات إرهاب تحركها أعلى نقطة فى الكرة الأرضية بالبيت الأبيض وبالتعاون مع مثلث «قطر - أنقرة - تل أبيب» مروراً بطهران وغزة؟!.. حرب حصار سياسى وعسكرى واقتصادى يتصاعد كل يوم، وعلى مرمى البصر هناك فى سيناء معارك ضد جيش إرهابى كامل يراد له أن يكون على غرار «الجيش السورى الحر»، وأن تكون القاهرة مثل دمشق أو بغداد، إحدى بؤر الصراع الكونى بين القوى العظمى وأن يكون فى النهاية جسد مصر ممدداً على طاولة التدويل؟! هل هناك صورة أوضح لكى نرى؟!.. وهل هناك وضع أسوأ من هذا لكى ندرك أننا إذا لم نتحرك ونبادر جميعاً كل واحد فى مكانه لإنقاذ المركب من الغرق، فإن أعمدة المعبد ستنهار فوق رؤوسنا ولن ينجو أحد.. وبعد زمن طويل ربما يكتبون عنا «شعب قام بثورة عظيمة دامت ثلاث سنوات.. أطاح بنظامين واحد فاسد وآخر فاشى.. ثم أخذ الشعب يبحث عن بوصلة فلم يجدها.. وأصبح أثراً بعد عين!!».