فى مطار القاهرة أستعد للسفر إلى الجزائر، عبرت حاجز الجوازات لأجد عددا من الأصدقاء، متوجهين معاً إلى وهران، تلك كانت المرة الأولى، التى أقابل فيها محمد شوقى، ومحمد رمضان، ضمتنا فعاليات مهرجان الفيلم العربي هناك، ومن ذلك الوقت فى ديسمبر 2011 وحتى الآن، وأنا لم أتوقف عن الحديث عن رمضان وشوقى. فى نهاية رحلتنا بمهرجان وهران للفيلم العربي حصل رمضان على جائزة لجنة التحكيم، وفرحت بالجائزة كما فرح كل الوفد المصري، وقتها أتذكر كيف كان تعليق الجمهور وتصفيقه المتواصل بعد عرض فيلمه الرائع "حواس"، المليء بالمشاعر والحس السينمائي غير العادي.. فيلم رشيق ينتقل بك فى تطور درامى محترف عن علاقة ممرضة بمريض الغيبوبة، الذى ترعاه، ذلك المشروع، الذي جعلني أعجب بذلك الشاب المليء بالحيوية والنشاط والمشاعروالحياة، وكان الفيلم الأفضل، الذى شاهدته طوال متابعتي لفاعليات ذلك المهرجان. الغرفة 1427 كانت هى ملاذنا طول فترة المهرجان، كنا أول الحاضرين فى عروض الصباح للأفلام القصيرة، وبعدها الأفلام الطويلة، لنعود إلى مقرنا فى الفندق، حيث غرفة المخرج محمد شوقى، أجلس مع المخرج أمير رمسيس على الأرض ويلتف حولنا شباب من عدة جنسيات عربية، لنحكى عن السينما وعن أنفسنا حتى مطلع الصباح، لننام ساعتين أو ثلاث، وأستيقظ على تليفون رمضان، آخر واحد ينام وأول من يستيقظ. أثناء عرض فيلم "السندرة" لصديقنا محمد شوقى جلس بجانبي محمد رمضان، وأثناء النقاش بعد الفيلم تخيلت أن رمضان يكاد يقفز من مكانه ليرد بدلاً من شوقى، رغم أن فيلميهما فى منافسة واحدة، وحينما حصد رمضان جائزة لجنة التحكيم فى مسابقة الأفلام القصيرة، توجه إلى صديقه محمد شوقي ليضع الجائزة بينهما.. فى الجزائر كان حديثنا المشترك عن الثورة، كنت أشاهده فى ميدان التحرير من قبل، ولكني لم أكن أعرفه، وعندما أصبحنا أصدقاء، تابعت كل ما يفعله، كنت لا أستطيع ملاحقة نشاطه، لا يمكن أن يكون هناك شخص قادر على فعل كل هذا، فهو الثورى الدؤوب المشارك فى كل الفعاليات، وهو المعيد بمعهد السينما، والمشارك فى عدد كبير من الفعاليات الفنية، والذي يسافر إلى كل قارات الأرض ليحصد فيلمه جوائز أو يشارك فى مهرجانات، ويعود من المطار إلى ميدان التحرير، الذي عشق كل رصيف فيه، وعندما تقابلنا فى تونس، كان فيلمه يحصد جائزة فى الطرف الآخر من الوطن العربي، فى مهرجان مسقط السينمائي، كنا نعيش حالة رائعة وسط ثوار تونس، وخلافنا على أشده حول حمدين وأبوالفتوح، وينتهى نقاشنا بضحكاتنا وسط كتيبة من الشباب الجميل، الذين أصبحوا يحيطون به فى كل فعاليات مهرجان سوسة السينمائي. عندما أيّد "أبوالفتوح" فى انتخابات الرئاسة اختلفنا معا، ولكننا كنا نسهر نتحدث بكل رقى عن أسباب اختلافنا، وعندما انكشف موقف المرشح الإخوانى الثاني من الثورة، والذي كان متخفياً تحت عباءة ليبرالية، كان رمضان أول من هاجمه، فالثورة عنده أهم من الأشخاص حتى لو كنا نحبهم، ولم يقف فى ثوريته عند حركة أو فصيل أو مجموعة، ولكنه كان يمارس الثورة بمعناها الحقيقي، الناس، فهم همه الأول، يهرب منا ليكون وسطهم، ينعشهم بضحكاته، ويمارس معهم لعبة الأمل والتفاؤل التي يجيدها، لتجد أى مكان يظهر فيه رمضان مشعاً بالضحكات والبسمات. عندما تقرر زيارة صفحة محمد رمضان على الفيس بوك تشاهد عشرات الصور مع الأطفال، يستطيع أن يخلق ابتسامة فى أى مكان يتواجد به، ويزيح عنك أى هم ببسمته المريحه وضحكته الرائقة، وكلماته البسيطة جدا، والتي تدخل إلى القلب لتريحه مما يكابده، من هم الثورة إلى هم سرقتها، إلى فراق ضحاياها.. لا يمتلك رمضان من الدنيا سوى عشقه لذلك الوطن، وعشقه للسفر، والكاميرا التي يستطيع أن يحركها كما يشاء، فهى أيضاً تعشق إحساسه بها، وهو الآن محاصر فى جبال سانت كاترين وسط عاصفة ثلجية مع عدد من رفاقه، أدعو له أن يعود، فنحن أصدقاؤه نحتاج لبسمته، لجرعة الإنسانية التى أدمناها منه، للتفاؤل الذي يشع من عينيه، وأنتم تحتاجون لمن يعبر عنكم، لذلك المخرج المميز والفنان المبدع، تحتاجون لذلك الذى سيصنع أجيالاً فى معهد السينما تحب الحياة وتفخر بإنسانيتها.. أعدكم إذا عاد محمد رمضان أن تجدوا فنا مختلفاً وسينما تطهر جراحنا وتقودنا لأمل يحتاج منا فقط أشخاصا مثل رمضان لكى نجده.. ادعو لنا وادعو له.