هل لأحدكم قريب يعمل ضابطاً أو جندياً أو أمين شرطة؟ إن كان عندكم أقارب من هؤلاء، اسألوهم عن حالهم، اسألوهم كيف ينامون وكيف يستيقظون؟ اسألوهم كيف يمارسون عملهم؟ وكيف يخرحون من بيوتهم أو معسكراتهم؟ اسألوهم هل يخشون الموت من أجل حماية الوطن؟ عندها ستعرفون أن كل رجال الشرطة شهداء تحت الطلب. وما من شرطى يذهب إلى خدمته ويتوقع أن يعود لأسرته آخر النهار أو فى الصباح، فجميعهم يتوقعون الشهادة. هل جربتم هذا الإحساس؟ بالتأكيد لم تجربوا. هنا قُتل ضابط شاب تاركاً خلفه رضيعة. هنا ذُبح أمين شرطة من دون وداع أخير لأسرته. هنا سقط جندياً مضرجاً فى دمائه أمام أعين المارة. هنا اخترقت رصاصات الغدر صدر لواء جاء ليطبق القانون.. الموت يسير إلى جوار كل من ينتمى لجهاز الشرطة، ومع ذلك لم نسمع أن جندياً تخلى عن خدمته فى الموقع الذى استشهد فيه زميل له.. لم نسمع أن ضابطاً فر من وظيفته خوفاً من الموت.. لم نسمع عن تخاذل أو تكاسل فى مطاردة جماعة إرهابية هنا أو هناك. شرف الدفاع عن الوطن لا يضاهيه شرف، سوى شرف الشهادة. رجال الشرطة فى معركة حقيقية، معركة وجود.. إما أن يكونوا فيكون الوطن، أو يهلكوا فيهلك الوطن. وفى المعارك تقع أخطاء وتجاوزات، لكن لا يصح أن تكون حبالاً يكبل بها كل المقاتلين. ولا يحوز الحديث، فى وسط المعارك، عن قضايا تؤثر معنوياً على من يستقبلون الموت طوال الوقت. وأى معركة تحتاج إلى ظهير شعبى قوى ومؤازرة مستمرة ودعم معنوى لا ينتهى.. الظهير الشعبى للشرطة وجد مع ثورة «30 يونيو»، لكنه يوأد الآن من أجل حفنة جنيهات تصب فى جيوب بعض الإعلاميين. سيرة الشرطة تجارة إعلامية رائجة، منذ قصة «عماد الكبير» إلى «حكاية زوجة أحد المساجين». الإعلام يجد عند جهاز الشرطة حكايات مسلية وقضايا ساخنة تجذب المشاهدين وتجلب المعلنين. وما من ليلة تمر إلا ويتسلى بعض نجوم الفضائيات على قصص وحكايات من وزارة الداخلية، بعضها صحيح وأغلبها مبالغ فيه، بعضها يرفع الضغط، ويقتل الروح، وبعضها الآخر يسلم للأعداء رقاب من يقاتلونهم. لا أنكر أن هناك أخطاء فى جهاز الشرطة وبعضها يرتقى لمرتبة الخطيئة، لكن حالة الحرب اليومية والاستهداف بالرصاص الحى والقنابل الموقوتة لرجال الشرطة تجعلنا نتريث وننظر لمقتضيات الضرورة الوطنية، وضرورات الحرب. شخصياً لست راضياً عن جانب من أداء الشرطة، لكنى لا أجد مبرراً لجلدها اليوم وهى تتعرض للقتل كل لحظة. ولا ينبغى أن تتحمل الشرطة وحدها كل خطايا المجتمع، فالشرطى ابن بيئته -تعليماً وتربية وعادات- وإذا كان البعض يتحدث عن ضرورة إصلاح الشرطة، فلا بد أن ينصلح المجتمع كله بتعليمه وقضائه وحكومته. من المستحيل أن تكون الشرطة عظيمة فى مجتمع يعشق الفوضى. الشرطة فى حالة حرب، وكسرها يعنى انتصاراً لأعداء الوطن.. الشرطة تخوض حرباً غير مسبوقة، تختلف كلياً عن إرهاب الثمانينات والتسعينات، فهل نكمل عليها حتى تسقط تماماً ونرضى بعض جواسيس منظمات «خداع الإنسان» تلك المنظمات التى تدفع بسخاء لعملائها، وتنفق ببذخ من أجل أن تكون تقاريرهم ساخنة. الشرطة تتحمل، منذ «25 يناير» فوق طاقة البشر وتحمل على أكتافها حملاً ثقيلاً تأبى الجبال حمله، فكل يوم يقدم جهاز الشرطة شهداء، ولا يسلم من السلخ اليومى على شاشات الفضائيات وعبر أفواه كانت ستذبح فى الشوارع لولا صمود رجال الشرطة. تذبح الشرطة باسم حقوق الإنسان وكأن قتلهم وسلخهم فى الشوارع يندرج تحت بند «حقوق الحيوان». أى منظمات تلك التى تدافع عن «حقوق الإنسان»، ولماذا تدفع لعملائها الأموال الباهظة؟ ألا يحق لنا أن نسأل عن هذه المنظمات التى لم تنصف فلسطينياً واحداً عُذب فى سجون الصهاينة؟ قال لى أحد ضباط الشرطة إنه لا يخشى الموت لأنه سيكون شيهد الوطن والواجب، وإنه سيحظى بتكريم لن يناله فى حياته، لكنه يخشى الإحباط جراء تشويه صورة الشرطة من بعض الإعلاميين. عند هذا الضابط حق، فما إن ظهرت زوجة أحد المسجونين تتحدث عن تعرض زوجها لتعذيب نفسى حتى تلقفت بعض البرامج هذه القصة وراحت تنهش عرض الشرطة. أخذت الحكاية أبعاداً كثيرة من دون أن يسأل أحد عن مدى صحة الواقعة، وحتى تكون الطبخة الإعلامية الليلية ساخنة جرى تعميم الأمر، وكأن سجون «الداخلية» سلخانات بشرية، مع أنه لم يثبت بشكل قاطع حتى الآن تعذيب المساجين فى السجون المصرية.. ثم لماذا لا تصدقون ما قاله اللواء أبوبكر عبدالكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان، عن أن ما يحدث هذه الأيام محاولة لتشويه صورة «الداخلية» وإضفاء صفات غير موجودة فى رجال الشرطة، مؤكداً أن منظمات حقوق الإنسان تزور السجون بصفة دورية وفى كل زيارة كانت تشيد بأوجه الرعاية التى تقدم للمساجين أثناء فترة عقوبتهم أو أثناء فترة الحبس الاحتياطى؟ وإذا كنتم لا تصدقون هذا الكلام فهاتوا برهانكم على عكسه، وإلاّ فلتخرسوا إلى الأبد.