سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موقعة «المطرية الثانوية».. المدرسون ينتصرون على البلطجية عصابة تهاجم المدرسة لسرقة معمل الكمبيوتر.. والزعيم «شيتا» يصرخ فى الفناء «خلاص مفيش تعليم من النهاردة تانى»
المأساة الحقيقية التى عاشها مدرسو مدرسة المطرية الثانوثة بنين لا يمكن أن تنمحى بسهولة من ذاكرتهم، فقد تعرضوا للموت وهم عزل فى مواجهة هجوم البلطجية الذين اقتحموا مدرستهم فى نهار يوم رمضانى شديد الحرارة، لا يتخيل أحد اللحظات المروعة التى عاشوها، ولا تزال صرخات زميلاتهم من المدرسات ترن فى آذانهم، إنها بحق معركة مع البلطجية فرضت عليهم فرضاً، أثبتوا خلالها شجاعة متناهية فى الذود عن مدرستهم وحماية ممتلكاتها من النهب، مطلقين فى النهاية صيحة استغاثة لمن يهمه الأمر قبل فوات الأوان، حتى لا تتكرر المأساة فى مدارس أخرى، مثلما يحدث فى مسلسل الاعتداء على المستشفيات. البداية كانت فى التاسعة والربع صباح السابع والعشرين من رمضان، وقتها كان يجلس «أحمد سلامة» ناظر المدرسة وحيداً مُمسكاً بالسبحة فى يده، قبل أن يباغته شاب أسمر حليق الرأس، على وجهه خريطة إجرامية مصنوعة بإتقان توحى بكثرة معاركه، يقبض بيديه على مطواة «قرن غزال»، انتفض الرجل السمين من على مقعده، لكن الشاب عاجله بضربة قوية على رأسه بكعب سلاحه الأبيض، وقتها فقط علم «الناظر» أن نهايتهم فى المدرسة قد اقتربت.. «خلاص مفيش تعليم من النهاردة تانى..» قالها البلطجى ويدعى «محمد شيتا» بصوت زلزل جدران المدرسة التى فرغت من محتوياتها بفضل هجماته المستمرة عليها، معترضاً على بلاغ قدمه فيه «الناظر» يتهمه بسرقة محتويات معمل الكمبيوتر. استلام استمارات الثانوية العامة كان السبب فى تجمّع مدرسى المدرسة داخل بنايتها الكائنة فى إحدى عشوائيات المطرية، وحملت السكرتيرة حقيبة بداخلها مرتباتهم، واختلت بنفسها داخل أحد الفصول لتنظيم الماهيات.. «ضجة وربكة» هذا ما تردد على مسامع أحمد سلامة -الناظر- ثم فوجئ بشاب معروف بالمنطقة اسمه «محمد شيتا» يقتحم المدرسة مصطحباً اثنين من شركائه، منهما من يحمل مطواة وآخر يقبض بيديه على قطعة حديدة، بينما اكتفى الأخير بقبضتيه القويتين يضرب بهما كل مدرس يمر من أمامه، صرخات المدرسات كانت هى الصوت الوحيد الذى تردد صداه داخل المبنى، ولم يجد المعلمون كبار السن سوى إيواء جميع المدرسات فى أحد الفصول وإغلاق الباب عليهن، والوقوف خارجه لحمايتهن مكتفين بذلك، بينما قرر الشباب من المدرسين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، بالاشتباك مع البلطجية بأقل الإمكانيات.. السنجة والمطواة فى مواجهة الخرزانة والقطع الخشبية، وبدأت المعركة تحت شعار «التربية والتعليم فى مواجهة البلطجية». دارت المعركة بين طرقات الفصول، غرفة واحدة مغلقة محمية بمجموعة من المدرسين، بينما «الأهالى» اكتفوا بمراقبة المشهد من شرفات منازلهم المطلة على المدرسة، «كر وفر» بين 3 بلطجية و5 مدرسين قرروا تحطيم «الدكك» حتى يُسلحوا أنفسهم بما لا يُغنى من موت.. «122» هو رقم نجدتهم ظلوا على مدار أكثر من ساعتين يتصلون به، فأحدهم يرد: «لأ يا أستاذ انتوا تبع قسم المطرية.. كلموهم على الرقم ده».. يقتنصون الرقم بين أيديهم ويطلبونه عدة مرات، حتى أجابوا فى النهاية بقولهم: «أقل من 5 دقايق وهتلاقونا قدامكم». الساعة قاربت على الحادية عشرة صباحاً، يحاول المدرسون بكل ما أوتوا الدفاع عن حياتهم وعن المدرسة. ويتحدث عن الموقف عامل ملتحٍ اسمه «علاء مرسى» ويعمل موظفاً فى المدرسة منذ عام 2000 ويقول: «عمرى ما شفت فى حياتى بلطجة بالشكل ده.. إحنا خايفين كلنا نروح المدرسة تانى غير لما المديرية تبعت لنا قوات تأمين»، ويضيف أحد المدرسين واجه «شيتا» بقطعة خشبية ولكن البلطجى أصابه بطعنة فى كتفه الأيسر، بعدها نجح المدرسون بتكتلهم فى التغلب على البلطجية، وأخرجوهم واحداً تلو الآخر إلا «شيتا» الذى ظل يتحدى الجميع ويضرب بالسنجة كل من يقابله أو يقترب منه، كان فى قمة ثورته تحت تأثير «البراشيم». هرب أصدقاؤه ولم يبق غيره أمام «كترة» المدرسين، وغلبت الكثرة شجاعة شيتا، فقرر البلطجى نقل المشاجرة إلى خارج أسوار المدرسة طمعاً فى مدد من أصدقائه، وتمكن بالفعل أخصائى المعمل ويدعى «محمد عبدالمنعم» من شل حركة البلطجى والإمساك به رغم السلاح الأبيض الذى فى قبضته، لكن أحد البلطجية من أنصار شيتا غافله بضربة شومة على رأسه وسط مراقبة جميع الأهالى بالمنطقة للمشهد دون تدخل، ليسقط المدرس بعدها على الأرض وسط بركة من الدماء. يقول المدرس: «وقتها ماحسيتش بحاجة.. حسيت إن أعصابى بتسيب لكن كنت بحاول أتماسك من شدة خوفى، وحاولت أجرى لحد ما قدرت وهو فضل يجرى ورايا».. وقتها لم ير «عبدالمنعم» سوى شىء واحد وهو «عربة زرقاء» بدت له كسيارة الشرطة التى نادى المدرسون فى طلبها منذ أكثر من ساعة ونصف، لم يجد أمامه سوى أحد ضباط قسم المطرية ويُدعى «بيتر» الذى تلقى سيلاً من السباب والشتائم لتأخر دورية الشرطة عن نجدة المدرسين والمواطنين. داخل سيارة «البوكس» اقتادت الشرطة المدرس «محمد عبدالمنعم» بعد تعديه على ضابط القسم، وكادوا أن يحرروا له محضراً إلا أن ما أنقذهم هو دخول «مدير المدرسة» الذى قال لهم: «يعنى انتوا سايبين الجانى وقابضين على المجنى عليه.. مش كفاية إن دمه سايح.. طب المفروض يروح المستشفى الأول». ويؤكد العميد محمد نجم مأمور قسم المطرية، أن قوات الأمن وصلت فى ميعادها الطبيعى ولم تتأخر وأن التعديات على المدارس والمستشفيات شىء موجود من قبل الثورة، لكن «المدرسين» يحاولون تصعيد الأمر أكثر من اللازم، ونحن كجهة أمنية نقوم بدورنا، نرد على البلاغات ونذهب للتحقيق فيها، والدليل على ذلك أننا وصلنا ل«شيتا» فى أقل من ربع ساعة، وتم التحقيق معه بواسطة النيابة، وعاينا المدرسة وحصرنا تلفياتها، مشيراً إلى أنه سيرسل فرد أمن مسلحاً لحماية المدرسين من أى مشاجرات أخرى. «فى صباح اليوم التالى، لم يختلف الوضع كثيراً، كلاب بوليسية وعصابات مسلحة وبلطجية يحملون السيوف والجنازير» أمام أبواب المدرسة، فعائلة «شيتا» تريد الأخذ بالثأر ممن يعتبرونهم السبب فى حبس ابنهم، ناظر المدرسة «أحمد سلامة» يقول: «لقينا شوية بلطجية فيهم (مصطفى) شقيق شيتا معرفناش وقتها نعمل إيه.. المدرسات خايفة تروح الشغل تانى.. واحنا طلبنا نقلنا لمدارس تانية.. يا جماعة إحنا عندنا أسر وعيال». «البلطجية» أو البودى جارداتهم من سيحمون المدارس، الاقتراح تقدم به مدير المدرسة بعد تقاعس الأجهزة الأمنية عن تأمين المنشآت الحكومية وعلى رأسها دور العلم، ويتابع الناظر: «المدير قال إن إحنا ممكن نأجر واحد من المسجلين بحيث يحمينا من البلطجية.. وهياخد فلوس كل شهر هيجمعها المدرسون من بعضهم.. طب برضه ده كلام». «الانقطاع عن العمل أم الانقطاع عن الحياة» جملة قالها المدرس المصاب فى رأسه بضربة الشومة «محمد عبدالمنعم» تعليقاً على حديث أحد المسئولين بالإدارة التعليمية: «إنتو لازم تروحوا الشغل وإلا المديرية هتعتبركم منقطعين عن العمل»، يفضل الرجل الفصل من العمل على الوفاة نتيجة حمايته المدرسة والعهدة والدفاع عن المدرسات، مندهشاً من تجاهل الوزارة والحكومة كلها للتهديد اليومى الذى يلقاه الأطباء فى المستشفيات، وها هى العدوى تنتقل إلى المدارس، لا يرى الرجل حلاً قريباً، فيكفيه الإهانة التى تعرض لها «دخلت على عيالى مضروباً.. ولسه لما الطلبة يعرفوا مش بعيد ألاقى عيل عندى فى المدرسة فاتح عليا مطوة ولا جايب لى بلطجى». «شخص كويس لكن الإدمان بوظه» يقولها أحد الشباب المقربين ل«شيتا» مضيفاً «كان يعمل معى فى أحد مخازن المياه الغازية، وزمان كان كويس لكن لما دخل فى سكة البرشام حياته انتهت، وعرف سكة البلطجية»، أسرة «شيتا» مفتتة وتعيش تحت خط الفقر، شقيقه لا يوجد فى البيت ويسير على خطى أخيه، بينما والدتهما «على باب الله»، أما «شيتا» نفسه فقد اكتفى بمهنة «البلطجة» بعد أن أغلقت جميع الأبواب فى وجهه بسبب الإدمان.