بكام الفراخ البيضاء؟ أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الأربعاء 8 مايو 2024    أخبار السيارات| أرخص موديل زيرو في مصر.. أول عربية من البلاستيك.. وأشياء احذر تركها في السيارة بالصيف    بعد احتلال معبر رفح الفلسطيني.. هل توافق أمريكا مبدئيًا على عملية رفح؟    الخارجية: توقيت تصعيد الجانب الإسرائيلي الأحداث في رفح الفلسطينية خطير للغاية    القنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    المدرج نضف|«ميدو» عن عودة الجماهير: مكسب الأهلي والزمالك سيصل ل4 ملايين جنيه    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة    تغير يكرهه المصريين، الأرصاد تحذر من طقس اليوم حتى يوم الجمعة 10 مايو    ياسمين عبد العزيز تكشف سبب خلافها مع أحمد حلمي    مقالب بطفاية الحريق.. ياسمين عبدالعزيز تكشف موقف لها مع أحمد السقا في كواليس مسرحة «كده اوكيه» (فيديو)    حسن الرداد: مش شرط اللي دمه خفيف يعرف يقدم كوميديا وشخصيتي أقرب لها|فيديو    عاجل.. أول رد من صالح جمعة على إيقافه 6 أشهر    مكاسب الأهلي من الفوز على الاتحاد السكندري في الدوري المصري    القاهرة الإخبارية: تعرض رجل أعمال كندي يقيم بالبلاد لحادث إطلاق نار في الإسكندرية    مفيد شهاب: ما قامت به إسرائيل يخالف اتفاقية السلام وتهديد غير مباشر باستخدام القوة    وفاة شقيقين مصريين في حريق شقة بأبو حليفة الكويتية    عزت إبراهيم: تصفية الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عملية مخطط لها    عيار 21 يسجل أعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    البيت الأبيض يعلق على السخرية من طالبة سوداء في تظاهرات دعم غزة    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 8 مايو.. «هدايا للثور والحب في طريق السرطان»    محمد رمضان: فرق كبير بين الفنان والنجم.. واحد صادق والتاني مادي    تليجراف: سحب لقاح أسترازينيكا لطرح منتجات محدثة تستهدف السلالات الجديدة    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    نشرة التوك شو| تغيير نظام قطع الكهرباء.. وتفاصيل قانون التصالح على مخالفات البناء الجديد    واشنطن: القوات المسلحة المصرية محترفة ومسئولة ونثق في تعاملها مع الموقف    بالمفتاح المصطنع.. محاكمة تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات    ياسمين عبد العزيز: محنة المرض التي تعرضت لها جعلتني أتقرب لله    شاهد.. ياسمين عبدالعزيز وإسعاد يونس تأكلان «فسيخ وبصل أخضر وحلة محشي»    ندوة "تحديات سوق العمل" تكشف عن انخفاض معدل البطالة منذ عام 2017    ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجمبرى؟.. فوائد مذهلة    5 فئات محظورة من تناول البامية رغم فوائدها.. هل انت منهم؟    «العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    قبل مواجهة الزمالك.. نهضة بركان يهزم التطواني بثلاثية في الدوري المغربي    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    كيف صنعت إسرائيل أسطورتها بعد تحطيمها في حرب 73؟.. عزت إبراهيم يوضح    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    ضمن مشروعات حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح وحدتى طب الاسرة بالقبيبة والكوم الأحمر بفرشوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد فتحى يكتب: عن امرأة مشعة بالأمل.. «حنان» تبحث عن «نصر».. و«نصر» يحتاج «حنان»
نشر في الوطن يوم 03 - 05 - 2019

غادرت عالمنا صباح اليوم الجمعة، الصحفيّة حنان كمال بعد صراع طويل مع مرض السرطان امتد لسنوات.
وتعيد "الوطن" نشر مقال للكاتب محمد فتحي عن الراحلة:
-------
1- البحث عن بداية
لأن بدايات الحكايات لا يعلمها أبطالها، فقد يختارون بدايات تصلح للحكى عن أنفسهم لكنها لا تصلح مقدمة للحكاية ذاتها، ولو عرفت حنان كمال وأحمد نصر الدين، ربما ستبدأ الحكاية بأنهما زميلان تعرفا على بعضهما البعض فى مهنة الإعلام، وتوجا قصة حبهما بالزواج، ومن الممكن أن تضيف بعض التفاصيل المتعلقة بأحمد نصر الدين الصحفى والكاتب الذى يحب رسم الكاريكاتير، وزرع الابتسامة وسط أصدقائه، وحنان كمال البنت الجدعة التى تريد أن تكون مهنية ومحترمة فى مهنة أكثر من فيها ليسوا كذلك بالمرة، ومن الممكن أن تحكى كيف عمل أحمد نصر الدين وحنان كمال فى بعض المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية وأحياناً الصحف الورقية، محاولين أن يحققا تجربة مختلفة، وإذا أردت أن تطعّم القصة بمشاعر مرهفة ستتحدث أيضاً عن قصة حبهما التى كانت ملهمة للعديد من زملائهما، أما لو أردت إدخال عامل الإثارة فى الموضوع فقد تتحدث عن اللحظة التى قررا فيها أن يسافرا للعمل فى الخارج، آملين فى مستقبل أفضل لأبنائهما الثلاثة حمزة وسارة ونور، لكن صدقنى، ليست تلك البدايات مناسبة لهذه الحكاية، وإنما يمكن أن تبدأها من اللحظة التى قررا فيها العودة مع أبنائهما إلى مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، مملوءين بالأمل، مشحونين بطاقة إيجابية كبيرة، ومحملين بخبرة لا بأس بها من العمل الإعلامى فى إعداد البرامج والأفلام الوثائقية والعمل الإخبارى بشكل خاص.
هذه البداية تبدو جيدة، صحيح ليست بداية مثالية، لكنها مناسبة إلى حد ما، فبعد أن وجدا شقة مناسبة لأسرتهم الصغيرة فى مدينة الشيخ زايد، وبينما يقود أحمد السيارة على محور السادس والعشرين من يوليو، كانت أعمدة الإضاءة مطفأة لأسباب تتراوح بين الاقتصاد فى الطاقة، أو إهمال موظف الحى الذى لم ينظفها، أو المحافظ الذى لا يوجه بعمليات الصيانة المستمرة، وبسبب كل ذلك، أو لأسباب أخرى أكثر تفاهة، وبسبب «نُقرة» صغيرة فى الطريق لم ترتق لكى تصبح «حفرة» واضحة، فجأة، انقلبت السيارة، انقلبت بأحمد وحنان وأبنائهما الثلاثة، فلتكن هذه هى البداية إذن.
2- أحمد نصر الدين
«بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية تحتل مصر المركز الأول فى عدد ضحايا حوادث الطرق على مستوى الشرق الأوسط بحوالى 13 ألف قتيل و60 ألف مصاب سنوياً. متصدرة قائمة الدول الأسوأ عالمياً فى حوادث الطرق بمعدل وفيات مرتفع جداً، حيث شهد العام المنقضى -2013- أكثر من 10000 حادثة حسب آخر إحصاء متاح، تكلف الدولة خسائر تبلغ حوالى مليارى دولار سنوياً. وتحتل العاصمة المرتبة الأولى فى عدد الحوادث، نظراً لسير 2 مليون و51 ألف سيارة فى شوارعها».
ربما استخدم أحمد نصر الدين معلومات مشابهة فى أى عمل صحافى قام به من قبل، لكنه لم يكن يعرف يوماً أنه سيكون رقماً فى ال60 ألف مصاب، نعم، لم يمت أحمد نصر الدين، والحمد لله ولا أى من أبنائه، أو حتى زوجته حنان. أراد الله أن ينعموا جميعاً بالحياة، لكن بشكل آخر، وبتجربة مختلفة.
وربما كان الحديث عن الوصول المتأخر لسيارات الإسعاف ماسخاً ومكرراً، ولهذا لن نعيده، لكن المهم أن حنان وأبناءها أصيبوا بكسور ورضوض، أما أحمد فقد دخل مباشرة المستشفى، ودخل فى غيبوبة كاملة.. «الحمد لله.. انكتبله عمر جديد» كانت هذه هى الكلمة المتداولة التى يهمس بها زوار أحمد وحنان فى مستشفى زايد التخصصى، وإذا أردت الإنصاف، فهى معجزة، لكن لو أردت التوصيف الدقيق لحالة أحمد بعد دخوله الغيبوبة فهو «النوم العميق» والذى يمكننا توصيفه ب«الموت المؤقت»، فأحمد لم يكن يعرف أى شىء يدور حوله، وحنان كانت تنتظر فى البداية ألا يستمر الأمر أكثر من أسبوع، أو أسبوعين، أو ربما شهراً على أقصى تقدير، إلا أن الموضوع تجاوز ذلك بكثير، تجاوزه لأسابيع، ثم لأشهر، ثم اقترب من العام، وخلال هذه الفترة كانت حنان كمال مصممة على شىء واحد وهو ألا يشعر أبناؤها أن شيئاً تغير، «بابا هيقوم بالسلامة إن شاء الله» هى الكلمة التى كانت ترددها لهم، أما بينها وبين نفسها فقد تحولت الحياة إلى مجموعة من المعادلات، والأرقام، تتعلق فى الأساس بالتكاليف اللازمة للعلاج، والمصاريف اللازمة لأبنائها ومدارسهم، والتزاماتهم المنزلية، والعمل الذى يجب أن تنخرط به، حيث ستصبح منذ تلك اللحظة العائل الأول، وربما الوحيد للأسرة.
ومن بين كل ما كانت تمر به من آلام وانكسارات، كانت حنان تهمس دائماً لنفسها «إن شاء الله هتعدى.. ثقتى بالله كبيرة»، كانت تؤكد بينها وبين نفسها أنها قوية، وأنها ستصمد حتى لو راهن آخرون على عكس ذلك، والواقع أن حنان صمدت كثيراً.
صمدت وواجهت كل سخافات الحياة، وآلام المعيشة، وإهمال الرعاية الصحية بالمريض فى المستشفيات، وتهاون الكثير من الأطباء على اعتبار أنهم يتعاملون مع «حالة» مما استدعاها لأن تحضر طبيباً آخر لأحمد يقوم بالكشف عليه داخل المستشفى لكى تطمئن عليه تماماً، كما صمدت حنان وصبرت كثيراً على العديد من احتياجاتها الإنسانية هى وأبنائها، وحزنها على زوج وحبيب يرقد أمامها بلا حراك فى حالة غيبوبة كاملة، حتى بدأ الأمل يعود من جديد.
«ربنا كريم وإن شاء الله هتعدى» بالتأكيد كانت هناك مساندة من عائلة أحمد، تفخر بها حنان، لكن الحمل الأكبر كان ملقى على عاتقها بشكل مباشر، حتى بدأ أحمد يستجيب، وبدأت مرحلة الإفاقة من الغيبوبة، ليبدأ فصل جديد من الحكاية.
3- ما بعد الغيبوبة
أفاق أحمد نصر من غيبوبته، لكن بالعديد من المضاعفات، كانت الحالة طبيعية لمن رقد فى غيبوبة طويلة يجب أن يستيقظ بعدها وهناك خلل فى العديد من أجهزة جسمه، أن يعانى تلفاً فى بعض خلايا المخ، وهو ما حدث بالفعل مع أحمد، لكن مجرد فتحه لعينيه واستجابته للمؤثرات كان انتصاراً كبيراً لحنان وأسرتها الصغيرة، وأملاً جديداً فى أن تعود الحياة كما كانت. لكن أحمد كان فى حاجة لرعاية خاصة، فقد أصبح يعانى من مشكلات فى الذاكرة، وصعوبة فى النطق، وصعوبة فى الحركة، وبدأت رحلة جديدة لحنان كمال أصرت فيها أن تكمل ما بدأت، لتبحث مع أحمد عن أطباء فى حالات ما بعد الغيبوبة، وهو التخصص النادر فى مصر، وفى نفس الوقت، تعيد تعريف أحمد بمفردات حياته من جديد، وتعيد اكتشافه كما لم تعرفه من قبل، وكانت رحلة طويلة وشاقة خاضتها حنان بإصرار وقوة، جعلت من حولها يشعرون تجاهها بالمزيد من الاحترام والتقدير، لا سيما وهى تراعى أحمد وأبناءها، وتلتزم فى عملها بأقصى درجات المهنية.
كانت حنان تشعر بالرغبة الدائمة فى إثبات أنها قادرة على القيام بعملها بمهارتها وخبرتها وبما تجيده، وترفض مجرد التلميح بالمساعدة، لأنها تعتبر أنها فى محنة تستدعى العمل، وتشكر اهتمام أصدقائها وتمتن له، لكنها فى الوقت ذاته ترفض تماماً أن تعمل تحت زعم أن أصدقاءها يساعدونها من خلال العمل الذى يوفرونه لها، ولذلك كانت تفضل أن تتقدم لأى عمل لا يضم من يعرف قصتها، وحكايتها، وظروفها، معتبرة أن ذلك ليس من ضمن مسوغات التعيين فى أى عمل، ومؤمنة أن «الشاطر مكانه محجوز»، وعلى مسار موازٍ ظلت حنان محافظة على اهتمامها ببيتها، وبأولادها ودراستهم ودروسهم التى تذاكرها لهم أحياناً بنفسها أو تتيح لهم دروساً خصوصية فى بعض المواد، وفى نفس الوقت رأت حنان بعينيها مأساة التخصصات غير الموجودة فى مصر، بسبب نقص الإمكانيات والدراسات فيما يتعلق بأمراض ما بعد الغيبوبة، ومرحلة التأهيل التى تستلزم خبرة من نوع خاص.
فى كل ما فات كنت أسمع عن حنان كمال، وأعرفها كزميلة، وتشرفت بمعرفة أحمد نصر الدين كذلك، وأذكر أنه رسم لى ذات مرة موضوعاً كتبته فى أحد المواقع، وظللت أتابع أخباره من بعيد، حتى التقيته مرة عند أحد الأصدقاء لأجده يربط بينى وبين صديق آخر مشترك يشبهنى، وأجدنى أزداد احتراماً له ولحنان كمال، لا سيما بعد أن أصبحنا نسكن فى نفس المنطقة، وبعد أن أصبحت حنان كمال فيما بعد زميلة عمل، ومن هنا يمكن أن يبدأ الجزء الثانى من الحكاية.
4- حنان كمال
كانت لحنان معايير صارمة فى التأكد من صحة خبر يذاع على الناس، وكان هذا هو الدرس الأول لفريق إعداد جديد شاركت فى تأسيسه لأحد البرامج، لكن لم يكن ذلك الذى لفت نظرى بقدر محبة حنان للحياة، والأمل الذى تعطيه لمن حولها بابتسامة، أو بحكاية عن ذكريات عملها فى مكان ما، أو بطبق السلاطة الذى تحضره معها لأنها تريد البدء فى رجيم لا يكتمل أبداً، إضافة لحكايات عن «السواقة» أو قيادة السيارة التى تتعلمها، وتخاف دائماً أن تقودها وحدها على المحور، لكنها مصممة على أن تفعل ذلك قريباً.. وبالفعل نجحت حنان فى ذلك فترة حظر التجول، حيث الشوارع فارغة تقريباً، وحنان تقود بإصرار، وتصطحب معها أحياناً بعض زملائها لأقرب نقطة تصلح للنزول عندها، وكان الفريق يطمئن -بما تيسر من سؤال- على أحمد نصر الدين وحالته، وتقص حنان مواقف عن خفة دمه وإفيهاته المفاجئة للجميع.. كان ذلك قبل أن تتعب حنان، وتقرر الذهاب للطبيب، وعرف الجميع أن حنان متعبة بالفعل، لأنها كانت تؤجل هذه الزيارة دائماً، فى سبيل إنجاز أعمال مهمة، أو المتابعة مع أحمد، أو رعاية أبنائها فى أمور تخصهم، وهو ما يعنى أن حنان متعبة لدرجة تستدعى ذلك.
«فى البداية كان التشخيص خاطئاً، وهو ما ساعد على حدوث ما حدث» تحكى حنان فى البرنامج الوحيد الذى وافقت على الظهور به بعد عدة أشهر من بداية هذا الجزء من الحكاية. عشنا جميعاً «الفلاش باك» لحنان وهى تذهب للطبيب مرة أو اثنتين، ثم تقول إنها ستعتذر عن عدم الحضور هذه المرة فقط، وهى التى لا تحب الاعتذار عن العمل، ثم تكتشف فجأة، بعد تشخيص خاطئ، منحنى آخر من الحكاية، حيث التشخيص الصحيح هو: «سرطان ثدى».
فى البداية انهارت حنان، وانهار كل من يعرفها تقريباً، وتعامل الجميع على أن مجرد الإصابة بالسرطان تعنى -فى الغالب- نهاية كل شىء، كل القصص والحكايات، والأحلام، بل نهاية الحياة نفسها.
وللحقيقة، لا يعرف أحد هل بكت حنان أم لا بعد معرفة الخبر، فربما ظن البعض بعد ثلاث سنوات من التماسك والصلابة فى تجربة حادثة زوجها أنها أقوى من البكاء، وربما كان افتراض بكائها من عدمه أمراً سخيفاً لدى البعض ممن يرى إنسانة تتوالى مصائبها وابتلاءاتها، لكن الأكيد أن أصدقاءها بكوا كثيراً، وكل من يعرف «الحكاية» من بدايتها عاش أياماً صعبة وهو يتساءل عن حنان وماذا ستفعل.. أما حنان نفسها، فبعد مرحلة استيعاب الصدمة، بدأت تشعر بالقلق على أطفالها، وبدأت تساورها الأفكار عن الموت، وعما يمكن أن يحدث لأطفالها بعد ذلك، ثم كان قرارها بأن تخبر أطفالها الثلاثة، لكن بعد أن تعرف أكثر وأكثر عن المرض. حنان ونصر.. قصة حب وحرب مع المرض.
5- بطاقة تعارف
ربما سيكون محرك البحث الشهير «google» هو الأكثر شيوعاً لمعرفة معلومات عن مرض مثل السرطان، الذى يحتل عدداً لا بأس به من الصفحات، وعبر ويكيبيديا تجد أبسط تعريفاته العلمية، حيث يعبر عن «مجموعة من الأمراض التى تتميز خلاياها بالعدائية Aggressive «وهو النمو والانقسام من غير حدود»، وقدرة هذه الخلايا المنقسمة على غزو Invasion أنسجة مجاورة وتدميرها، أو الانتقال إلى أنسجة بعيدة فى عملية نطلق عليها اسم النقيلة.
وهذه القدرات هى صفات الورم الخبيث على عكس الورم الحميد، الذى يتميز بنمو محدد وعدم القدرة على الغزو وليس لهُ القدرة على الانتقال أو النقلية.
كما يمكن تطور الورم الحميد إلى سرطان خبيث فى بعض الأحيان».
أما بالنسبة لنا فالسرطان مرادف للموت عند الكثيرين، إذ تبلغ معدلات الوفاة لدى المصابين بالسرطان ما يصل ل75% من المصابين به فى مصر، حسبما أكد معهد أورام أسوان فى مؤتمره العلمى الذى عقد فى مايو 2013، وبحسب تصريحه الذى أوردته وكالة أنباء الشرق الأوسط آنذاك، فإن الدكتور سامى الصيرفى، رئيس وحدة الألم والعلاج التلطيفى والأستاذ المساعد بقسم الأورام بكلية طب قصر العينى، أكد أنه من كل 10 حالات وفاة فى العالم يموت مريض بالسرطان. أما الإحصائيات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية فقد أكدت أن السرطان من أهمّ أسباب الوفاة فى جميع أرجاء العالم، فقد تسبّب هذا المرض فى وفاة 7.6 مليون نسمة «نحو 13% من مجموع الوفيات» فى عام 2008.
- وتحدث 30% من وفيات السرطان بسبب خمسة عوامل خطر، سلوكية وغذائية رئيسية هى ارتفاع منسوب كتلة الجسم، وعدم تناول الفواكه والخضر بشكل كاف، وقلّة النشاط البدنى، وتعاطى التبغ، وتعاطى الكحول.
- ويمثّل تعاطى التبغ أهم عوامل الأخطار المرتبطة بالسرطان، إذ يقف وراء 22% من وفيات السرطان العالمية و71% من الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة.
- إضافة إلى أن العدوى التى تسبّب السرطان، مثل العدوى الناجمة عن فيروس التهاب الكبد B أو C وفيروس الورم الحليمى البشرى، مسئولة عن نحو 20% من وفيات السرطان التى تحدث فى البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل.
ومن الملاحظ أنّ نحو 70% من مجمل وفيات السرطان التى سُجلت فى عام 2008 حدثت فى البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل. كما أنه من المتوقع أن يتواصل ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن السرطان على الصعيد العالمى، وأن يناهز 13.1 مليون وفاة فى عام 2030.
ولا يفرق السرطان فى العمر، يصيب الأطفال والبالغين، وحتى الأجنة، ويشكل سرطان الثدى تحديداً ما يقترب من ربع نسبة الإصابة بالسرطان على مستوى العالم، وتحديداً 22.9%، وتسبب سرطان الثدى فى موت 458٫503 أشخاص فى جميع أنحاء العالم، ويعتبر الأكثر شيوعاً بمائة ضعف لدى النساء مقارنة مع الرجال.
6- إذن فهى الحرب!
بعد أيام قليلة، عرفت حنان كمال أنها مقدمة على حرب حقيقية مع مرض خبيث، ولم يكن أمام حنان خيار، فإما أن تدخل الحرب مسلحة بكل الأمل والقوة والإصرار، وإما أن تستسلم تماماً، وتموت بالبطىء كما يقولون، لكن حنان فعلت الشيئين، قررت خوض الحرب، وباستسلام كامل! ستخوض حرباً مع المرض، لكن باستسلام لمشيئة الله عز وجل. تقول حنان: «لم أعد أخاف من فكرة الموت، سأخوض الحرب للنهاية، وأعلم أن إرادة الله فوق كل شىء، وسأجعلها تقربنى إلى الله أكثر».
نور أحمد نصر الدين هى الابنة الصغرى لحنان وأحمد، وهى التى تشجعت وسألت والدتها: «يعنى هتموتى يا ماما؟» ولحظتها ردت حنان بجملة عبقرية لا تعرف حتى الآن كيف جرت على لسانها، إذ قالت لابنتها: «دول حبة خلايا مجنونة مش حسيبها تغلبنى».
وضعت حنان خطة الحرب بالاتفاق مع طبيبها الذى أخبرها بحقيقة حالتها كاملة، وصارحها بأنها ستحتاج إلى جلسات العلاج الكيماوى، قبل أن تجرى بعض الفحوصات والأشعة والتحاليل التى ستكشف هل استجابت لهذه الجلسات أم لا، ثم تقوم بإجراء عملية جراحية لاستئصال الورم، لكن لكل حرب أدواتها، وحنان أجادت اختيار الأدوات.
«الإيمان بالله أهم شىء، تجربتى قربتنى من الله، وجعلتنى أتحدث معه، وأدعوه، وأشكو له ألمى وأحوالى مؤمنة بقضائه وقدره، وكلى ثقة بأنه معى وسيستجيب لى ولدعواتى» تقول حنان ذلك، وتقرنه بزيارات لمساجد آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم، تستريح فى السيدة زينب والسيدة نفيسة، وتحضر الليلة الختامية لمولد سيدى الحسين بن على، وتسهر للصباح فى حفل إنشاد شيخ المداحين ياسين التهامى.
بعد عدة أيام، وأثناء استعدادها للجلسة الأولى من الكيماوى، كانت حنان تستمتع بارتكاب الحماقات الصغيرة التى ربما تكون مضرة، لكنها تساعدها على إدخال أكبر قدر من البهجة التى لعبت معها دوراً أساسياً: «كلت كام حاجة من اللى منعنى الدكتور عنهم بدافع البهجة، كنت أشعر أننى «مبسوطة» شأنى شأن كل من يخالف التعليمات» صحيح لم تكن حنان تفعل ذلك للدرجة التى يمكن أن تؤذيها، لكن فى نفس الوقت كان بوسعها أن تكون مريضة مثالية تخضع لشروط المرض، وهو ما يمكن أن تكون قد اعتبرته رضوخاً غير مطروح بالمرة لمرض لعين.
بعد جلسة الكيماوى الأولى، كانت الأمور على ما يرام فى البداية للدرجة التى جعلت حنان تكتب على الفيس بوك: «#أنا_عملت_دماغ_كيماوى»، واصفة حالة «الدروخة» التى كانت فيها بال«دماغ»، لكن بعد يومين بدأت تشعر بآلام لا توصف، رآها كل من اقترب منها، إن لم يكن بزيارتها، فعلى الأقل عبر التواصل معها على الفيس بوك.. «كنت تعبانة جداً، لكن المشاركة، وإحساسى أن هناك من يحبنى فرق معى كثيراً».
نشطت حنان على «الفيس بوك»، وأصبحت تفضفض مع أصدقائها ومتابعيها، وتطرح آراءها فى الحياة، وتحكى عن جلسات العلاج، وعن مواقفها وطرائفها مع زوجها الذى يستكمل علاجه أيضاً، وأبنائها الذين بدأوا فى التأقلم مع مرض والدتهم، بعد أن تأقلموا مع حادثة والدهم، وأكسبهم ذلك تجربة جعلتهم أكثر نضجاً، لكن حنان تشدد على دور الأصدقاء والمشاركة الوجدانية «زارنى أصدقائى واقتربوا منى أكثر.. بعضهم كان يطبخ لى ويرسل لى الأكل، والبعض الآخر كان ينزل معى فى «فسحة» أفتقدها وأشعر أننى فى حاجة إليها، وكنت أشعر بمحبة حقيقية سواء فى الواقع، أو عبر الفيس بوك».
وتحكى حنان عن ابنتها التى سألتها: أساعدك إزاى؟ فردت حنان أن «الحضن» الواحد من ابنتها يمكن أن يساعدها فى العلاج، وهكذا كانت تُشعر أطفالها أنهم مشاركون فى علاجها ولو بحضن بسيط، يمثل لها بالفعل دعماً نفسياً لا يوصف، وحتى بعض صديقاتها اللاتى اختلفن معها لسبب أو لآخر، عدن إليها فى هذه المحنة، فاعتبرت حنان ذلك منحة، وعلامات تعينها فى حربها مع سرطان الثدى.
كان ذلك قبل أن تتخذ حنان قراراً يتعلق بشكل الحرب.. وشكلها هى شخصياً.
7- التحدى بعد جلسات الكيماوى
بدأت أعراض التعب والمرض تظهر بشكل كبير على حنان، وبدأ شعرها فى التساقط.. فى البداية جربت حنان أن تغطى شعرها بإيشارب، لكنها تضايقت منه بسرعة، وقررت أن تسخر من الأمر على طريقتها فربطت رأسها بإيشارب والتقطت صورة مع ابنتها التى ربطت بدورها نفس الربطة لتنشرها على «الفيس بوك» واصفة نفسها مع ابنتها بأنها «ريا وسكينة»، ثم تطور التعب، فتطور الأمر حتى قررت حنان أن ترتدى الباروكة بناء على اقتراح العديد من صديقاتها، وجربت حنان الباروكة، لكنها كرهتها بشدة.. «مريت بكل المراحل من إيشارب إلى باروكة إلى قص الباروكة وغيرها من الألعاب والحيل»، ثم قررت حنان أن تتخذ أكثر الخطوات جرأة بالنسبة لامرأة تعيش فى بلد شرقى مثل مصر.. «قررت أشيل شعرى وأمشى كده».
لم يكن القرار صعباً، لكن حنان كانت تتحدى المرض، وليس المجتمع، واختارت يوماً مميزاً تحضر فيه زفاف واحدة من أعز صديقاتها، لتحقق الأمر، ذهبت للكوافير وقصت شعرها بالكامل.. بالكااااااامل. «استغربت شكلى فى البداية لكن قلت هذه إرادتى، وهذا هو ما سيريحنى خلال الفترة المقبلة».. برداء أسود ورأس ناصع وابتسامة مشرقة، فيها من البهجة والسعادة أضعاف ما فيها من الألم، دخلت حنان كمال مكان الزفاف، فوجدت العديد من صديقاتها اللاتى تطلعن لها فى البداية فى دهشة، قبل أن يجرين عليها بفرح شديد، وكأنها ربحت جولة مهمة فى معركتها المصيرية.. «أصدقائى ساندونى بقوة، واعتبروا أن اللى عملته حاجة تستحق المساندة».. التقطت حنان العديد من الصور فى هذا اليوم ونشرتها على «الفيس بوك»، وبدأ الجميع يدرك أن حنان امرأة قوية بالفعل، وأن ما فعلته بقرارها هذا أقصى درجات التحدى، فى صفقة مفادها: سيأخذ منى المرض صحتى، لكنه لن يأخذ روحى.. تقول حنان: «كنت أريد اكتشاف جمال روحى بعيداً عن الشكل.. كنت أريد البحث عن جوهر الجمال وليس مظهره».
بدأ البعض من الفضوليين على «الفيس بوك»، وأحياناً فى الشارع، يتعاملون مع حنان بسخافة ظناً منهم أنها ربما تكون قصت شعرها بالكامل مجاراة لموضة غربية، أو تقليداً للرجال، أو إحياء لموضة قديمة أقدمت عليها الفنانة العالمية ديمى مور فى أحد أفلامها، لكن حنان كانت تتقبل الأمر ببساطة شديدة، حتى لو سبب لها بعض المضايقات، مواصلة التحدى.
«كنت ممتنة للدعم النفسى الذى ألقاه، وتساعدنى بعض المضايقات على إدراك أننى ما زلت مشتبكة مع الحياة، وأننى لست مجرد مريضة سرطان يجب أن يشعر الناس بشفقة تجاهى، لأن هذه الشفقة، وبعض المبالغات فيها، تؤذينى أكثر مما يمكن أن يتخيل أصحابها».
ثمانى جلسات من العلاج «الكيماوى» خضعت لها حنان كمال بصبر شديد، وإصرار على مواصلة حربها، قبل أن يقرر طبيبها أن الوقت حان لإجراء الجراحة.
أستأذنها فى الكتابة عنها، فتوافق، قبل أيام من الجراحة، مؤكدة أنها تريد أن تعطى أملاً للناس، ولا تريد الدخول فى أى دائرة من دوائر الجدل، مجرد أمل وطاقة إيجابية تريد أن تتركها للناس، ودعم لمن دخلوا نفس الحرب قبلها ومعها، أو سيدخلونها مرغمين.
تظهر حنان بصحبة صديقتها الإعلامية منى سلمان فى حلقة متميزة، جعلت الناس تتخذ من حنان نموذجاً يحتذى، وجعلت منى سلمان تبكى على الهواء وتقوم وتقبلها، وهى تتمنى لها الشفاء، وتدشن لها على شبكات التواصل هاشتاج #ادعوا_لحنة، وهو اسم الشهرة الأقرب لحنان بين أصدقائها. تحاط حنان كمال بدعوات الجميع بعد الحلقة الرائعة، ويضع كثيرون ممن لا يعرفونها صورتها فى البروفايل الخاص بهم، ويتحدثون عنها وعن تجربتها الملهمة.
وتستقبل حنان العديد من صديقاتها بعد العملية التى أجرتها بالفعل، وتبتسم فى وجوههم جميعاً رغم الألم، وتسأل عن أبنائها، وعن زوجها أحمد نصر الدين الذى يواصل علاجه هو الآخر. ستكمل حنان حربها من موقع متقدم هذه المرة بعد أن ربحت أصعب الجولات.
حيث ينتظرها علاج هرمونى وإشعاعى لفترة لا بأس بها، ويساندها كل أحبابها، وكل الباحثين عن معنى للحياة وسط الألم الذى نحياه جميعاً.. ستبحث حنان عن «نصر».. وسيظل «نصر» فى حاجة إلى «حنان».. فيا رب انصر حنان، وأكرم نصر بحنان!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.