لا أتخيل أن تتعرض إنسانة إلى ما تعرضت إليه حنان كمال، وتبقى ابتسامتها لا تفارق فى وجهها، لم استطع أن أذهب إلى المستشفى لأصاحبها وهى فى طريقها لغرفة العمليات لإجراء جراحة عاجلة لوقف انتشار المرض اللعين بجسدها، لم استطع أن أرى نموذج الصمود الحقيقى أمام عينى وهى تتمدد على السرير منتظرة دخول غرفة العمليات، أعلم جيداً أن الله لن يخذلها، وأنها ستعود لحياتها وأسرتها التى وهبتها كل حياتها، لتكمل معهم المشوار، عرفت حنان كمال قبل أربعة عشر عاماً، كانت وقتها تحتفل بزواجها من الصديق أحمد نصر الدين، كنت أسمع حكايات عديدة عن موهبتها ونبوغها الصحفى فى تجربة الإصدار الأول من جريدة الدستور مع إبراهيم عيسى، الجميع كان يتنبأ لها بمستقبل باهر فى عالم الصحافة، ولكن زواجها حال دون إكمال حلمها فى مهنة تأخذ عمرك دون أن تمنحك أدنى حد لعيشة آدمية، تركت حنان الصحافة، وتوجهت للعمل فى الإعداد البرامجى، ولأنها موهوبة فى الكتابة وصنع الأفكار فكان من السهل عليها النجاح فى مهنتها الجديدة، الأمر الذى دفع القنوات الإخبارية العربية إلى أن تتسابق على اختطافها، فالسيرة الذاتية الخاصة ستصيبك بالذهول من كم القنوات الكبيرة والبرامج الضخمة التى تولت حنان مسئوليتها، ورغم حبها الكبير لمصر، إلا أنها قررت أن تسافر إلى دبى، للعمل فى إحدى القنوات الإخبارية، حبها لمصر هى وزوجها أحمد نصر الدين جعلهمًا يفتحان منزلهما لأى صديق مصرى يعلمان أنه فى زيارة لدبى، فى إحدى المرات سافرت لمهرجان أبوظبى، وفجأة وجدت رقم هاتفى يستقبل مكالمة من حنان وأحمد، غاضبن لأننى فى أبوظبى ولم أفكر فى زيارتهما، فأخبرتهما أن السبب هو ابتعاد المسافة بين أبو ظبى ودبى لا أكثر، فكانت الإجابة هى قدوم الاثنين لمدينة أبوظبى للجلوس مع أصدقائهما من الصحفيين المصريين المشاركين فى المهرجان، وفجأة قامت ثورة يناير، ولم تحتمل حنان أو زوجها أحمد نصر أن لا يشاركا فيها، فعادا على الفور إلى القاهرة وذهبا من المطار إلى ميدان التحرير ليهتفا مع ملايين المصريين «عيش حرية عدالة اجتماعية» ويطالبان بسقوط النظام مثلما فعل ملايين من شعب مصر، ملايين يتهمهم الآن حبيب العدلى ورجاله بالخيانة !، ولكن القدر لم يمنح حنان ولا زوجها فرصة ليفرحا بالثورة ورحيل النظام الفاسد، فأصيب أحمد نصر فى حادثة طريق بعد أن انقلبت سيارته بالطريق الصحراوى، وعاش شهورًا بين الحياة والموت، وكانت إجابة الأطباء أن الحالة حرجة ومن الصعب أن يعود أحمد كما كان، فقد نسى بعد الحادثة كل شىء فى حياته ولم يعد قادراً على تميز زوجته وأبنائه، ولا حتى تحريك صباع واحد من يده، ولكن حالة أحمد من الممكن أن تكون حرجة لو أن زوجته امرأة أخرى غير حنان كمال، التى ظلت معه خطوة بخطوة حتى استطاع الشفاء وتذكر أفراد أسرته، لم تمل حنان من جهد العمل ورعاية زوجها وأولادها، كنت اقابلها فأجد على وجهها علامة من السعادة والرضا غير عاديين، كانت دائماً تشعر بصداع ووجع فى جسدها، فكانت تتغلب عليه بالمسكنات، وعندما ازداد الوجع عليها، ذهبت لأحد الأطباء المشهورين، ولكنه شخص حالتها خطأ، وقال لها إن ما تعانيه ورم حميد يمكن إزالته فى أى وقت، ولكن الوجع لم يفارقها رغم كم الأدوية والمسكنات التى كانت تتناولها، حتى قررت استشارة طبيب آخر، فكانت الصدمة لنا قبلها، قال لها الطبيب أن عليها الخضوع للعلاج الكيماوى وإجراء جراحة سريعة، جميعنا شعر بالحزن، إلا هى، قررت أن تتصالح مع نفسها، رفضت أن تضع باروكة فوق رأسها لتدارى بها تساقط شعرها نتيجة العلاج الكيماوى، رفضت عبارات المواساة والحزن من أصدقائها، رفضت دموع شقيقتها الصغرى إيمان وانهيارها عليها، تعاملت أن مرضها اختبار جديد من الله لقوتها وصبرها، رفضت كعادتها الاستسلام أو حتى طلب المساعدة من أى جهة أو شخص ، قررت أن تواجه هذا المرض اللعين بنفس القوة التى واجهت به خبر رحيل والدتها عقب تعرضها لصعقة كهربائية شديدة، وبنفس قوة مواجهتها لخبر تعرض زوجها لحادث مميت ووجوده بالمستشفى بين الحياة والموت، ما تعرضت له حنان كفيل بأن يقتل أى مشاعر وحياة داخل أى إنسان، ولكنها حنة صاحبة القلب الأبيض والابتسامة الواسعة، التى لن تغيب إن شاء الله عن أسرتها وعن أصدقائها ومحبيها، حنان كمال ترقد الآن فى مستشفى الصفا بالمهندسين عقب إجرائها للعملية الجراحية، لا أطلب منكم سوى الدعاء لها، الدعاء الذى أخبرتنى حنان أنه يغير القدر.