ألقى أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، اليوم الجمعة كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع مجلس وزراء الخارجية التحضيري للقمة العربية الثلاثين بتونس، وحملت الكلمة عبارات قوية تدين الموقف الأمريكي من الجولان، وتؤكد أن الجولان أرض عربية غير خاضعة للمساومة، معتبراً أن الولاياتالمتحدة تخترق مباديء النظام الدولي. وجاء نص الكلمة على النحو التالي: السيد خميس الجهيناوي وزير الشئون الخارجية للجمهورية التونسية اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالشكر لمعالي الدكتور ابراهيم العسّاف، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، على ترأس بلاده أعمال القمة العربية للسنة الماضية بالظهران، والتي كانت قمة ناجحة بكل المقاييس، من حيث ترتيباتها وأعمالها وما تمخض عنها من نتائج وقرارات.. كما أتقدم بالشكر لمعالي السيد خميس الجهيناوي، وزير الشئون الخارجية للجمهورية التونسية، على حسن الاعداد والاستقبال وكرم الضيافة الذي أحاطتنا به تونس الجميلة منذ وصولنا. تلتئم القمة العربية هذا العام، ولا زالت أزمات المنطقة تنتظر انفراجة تُخفف من عناء الشعوب التي أنهكتها الصراعات.. وتستجيب لقلق الرأي العام العربي حيال حالات التفسخ والتفكك التي ضربت بعض الدول العربية، فضلاً عن نهج التربص والانقضاض الذي تنتهجه بعض القوى الإقليمية في تعاملها مع المنطقة العربية. والحال أن العالم العربي، على ما فيه من مشكلات وما يمر به من أزمات، لا زالت كلمته مجتمعة على قضايا لا تقبل مساومة، أو تحتمل تجميلاً أو مُداهنة .. يرفض العرب أن يسمى الاحتلال بغير اسمه.. أو أن يُمنح المحتل شرعية لاحتلاله.. نقول بصوت واضح إن الجولان أرض سورية عربية محتلة بواقع القانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن 242 (لعام 1967) و497 (لعام 1981) التي رفضت الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.. وأي إعلان من أية دولة –مهما كان شأنها أو كانت مكانتها- يُناقض هذه الحقيقة لن يُغير من الواقع شيئاً، وليست له حيثية أو أثر قانوني .. وإذا كان الاحتلال جريمة كبرى، فإن شرعنته خطيئة، وتقنينه عبث بالقانون ومبادئ العدالة .. وإقرار بأن القوة تنشئ الحقوق وتُرتب المزايا.. وليس على مثل هذا المبدأ يتأسس النظام الدولي المعاصر، الذي كانت الولاياتالمتحدة أول من وضع أسسه وروج لمبادئه.. ثم تأتي اليوم لتكون أول من يخرق هذه المبادئ ويضرب تلك الأسس. اجتمعت كلمة العرب أيضاً على دعم الفلسطينيين في نضالهم من أجل انهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية.. قمتنا الأخيرة بالرياض اتخذت من القدس عنواناً لها في رسالة لا ينبغي أن يخطئ أحد فهم دلالتها أو يتغافل عن رمزيتها .. ولا قضية تجمع العرب قدر قضية القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة.. ويخطئ من يظن أن أزمات المنطقة صرفت الانتباه عن هذه القضية الجوهرية... إن حالة الاستقواء غير المسبوق التي يسعى الاحتلال إلى تكريسها في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ قمعاً وحصاراً واستيطاناً.. لا يكافئها سوى مواقف الإدارة الأمريكية الأخيرة التي جاءت كلها مخيبة للآمال، ومشجعةً للاحتلال على المضي قدماً في هذا النهج الذي يضرب استقرار المنطقة، ويضعف من قدرتها على مواجهة رياح التطرف، دينياً كان أم قومياً. اجتمعت كلمة العرب كذلك على التمسك بالدولة الوطنية، ورفض الانزلاق إلى نفق الطائفية المقيتة أو الميلشياوية المُدمرة أو الاستسلام لجماعات الإرهاب وعصابات الإجرام باسم الدين.. ومن أجل الحفاظ على الدولة الوطنية وحماية تكامل ترابها، وصيانة سيادتها، فلا حل سوى الدخول في تسويات سياسية حقيقية، سواء في سوريا أو ليبيا أو اليمن، تحفظ للوطن مكانه وللمواطن حقوقه، وتقف حائلاً دون تدخل الآخرين في شئوننا .. يقتضى هذا، من الجميع، ارتفاعاً فوق الأجندات الخاصة، وإعلاء لمصلحة الأوطان .. إن الحلول العسكرية لن تحسم هذه النزاعات.. وما من سبيل سوى الحل السياسي والمصالحة الوطنية الشاملة من أجل الحفاظ على وحدة الدول واستقلالها.. وصيانة أمنها من شرور الإرهاب والتفتت. أشير بقدر من الارتياح إلى انعقاد القمة العربية- الأوروبية، للمرة الأولى، في شرم الشيخ الشهر الماضي.. ففي ذلك مؤشرٌ على علاقة إيجابية مع التجمعات والتكتلات العالمية الكبرى.. وفي نفس هذا الاتجاه جاء انعقاد الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي-الصيني في يوليو 2018 ... وإننا نتطلع إلى انعقاد منتدى التعاون العربي-الروسي في شهر ابريل القادم ... وكذا الاجتماع الوزاري العربي-الهندي، والدورة الثانية للحوار السياسي العربي-الياباني بنهاية العام الجاري... كما نُعلِّق أهمية كبيرة على انعقاد القمة العربية الإفريقية الخامسة في الرياض بنهاية 2019، خاصة لما ينطوي عليه البعد الإفريقي من أهمية استراتيجية متزايدة للعالم العربي على أكثر من مستوى. السيدات والسادة إن شعوبنا العربية تتطلع إلى هذه القمة بمزيج من القلق والأمل.. قلق من استمرار حال الأزمة في بعض بلادنا .. وأمل في قرب الانفراج واستعادة العافية للجسد العربي بعد سنواتٍ من المعاناة والألم.. ندعو الله أن تتغلب أسباب الأمل والرجاء على دواعي الخوف والقلق.