لا بد أن نعترف بأن نزول المرأة بالملايين فى ثورتى يناير ويونيو والخروج الكبير فى 26 يوليو، والاستفتاء على دستور 2014، له بالغ الأثر على تغيير الخطاب حول المرأة وحقوقها لدى كثير من الدوائر على مستوى السياسيين وصناع القرار، لكن السؤال الأهم إلى أى مدى سوف يسهم ذلك فى دخول المرأة نفسها إلى دوائر صناعة القرار، لا سيما أن هذه الدوائر تفتقر إلى تمثيل عادل للمرأة يساهم فى الدفاع عن حقها فى المشاركة؟ فى هذه المراكز الرجالية عادة ما يتم الارتكان إلى حجج فى غالبها أبعد ما تكون عن الموضوعية ولم تتم دراستها بعمق، فبدءا من لجنة العشرة التى وضعت مسودة الدستور لم يكن ممثل واحد للمرأة، ومع كامل التقدير لخبراتهم فإن المسودة الأولى افتقرت إلى كثير من حقوق المرأة حاولت لجنة الخمسين تداركها، ووجود عدد قليل من النساء فى لجنة الخمسين ساهم فى صعوبة التفاوض على وضعية أفضل للنساء فى البرلمان القادم رغم اعتراف الجميع بدورها لكن لم يترجم هذا الاعتراف إلى إجراءات محددة، بل تمت توسعة المطالب بامتيازات فى البرلمان القادم حتى يصبح إعطاء المرأة تمييزا إيجابيا يبدو مستحيلا فى ضوء تداول حجج غير موضوعية فى كثير من الأحيان وإضاعة القضية بين استخدام مطالب للأقباط أو العمال وغيره بل وصل الأمر للحديث عن مقاعد للعاملين بالخارج الذين لم يهتموا حتى بالتصويت، ولو كلف صناع القرار أنفسهم لدراسة الأمر دراسة موضوعية لتأكدوا أن «الكوتة» المبنية على الجنس هى المعتمدة عالميا وعربيا لأنها بلا آثار جانبية من نوعية التقسيم الطائفى أو على أسس مهنية يصعب تحديدها. فى كل الأحوال لماذا الإصرار على «كوتة» للمرأة لا تقل عن الثلث.. وأيهما أكثر احتياجا إلى الآخر المرأة أم البرلمان؟ بالتأكيد المرأة بحاجة أن يكون لها صوت مسموع فى البرلمان فى ضوء موجات من التخلف تستخدم الدين تارة والعادات والتقاليد تارة أخرى فى الحد من حقوق المرأة الإنسانية، لكن الأهم أن البرلمان هو الأكثر احتياجا للمرأة فى ضوء التجارب المريرة من الفساد والمحسوبية واستخدام البرلمان مطية لعلاقات البيزنس والسمسرة. فقد استخدم البنك الدولى مصطلح «الذكاء الاقتصادى» فى الإشارة إلى السياسات التى تعمل على زيادة مشاركة المرأة فى صناعة القرار باعتبار أن ذلك يقلل من المخاطر كما يساهم بالعناية بالقرارات المتعلقة بجودة الحياة للمواطنين، وطبقا لتقارير التنمية الاقتصادية «صندوق النقد الدولى- البنك الدولى- المنتدى الاقتصادى العالمى» فإن مشاركة النساء تساهم فى تقليل معدلات الفساد وزيادة الحوكمة فى إدارة موارد الدولة. وفى مصر ونظرا لأن النساء أقل جرأة على الفساد وليس لديهن خبرات تؤهلهن للفساد السريع فإن البرلمان القادم بحاجة لهن وبنسبة كبيرة، فالنساء عند مناقشة الخطة والموازنة والمشروعات التى ستعمل عليها الدولة لن يجرؤن على استغلال خطط الدولة فى الإسراع بشراء الأراضى التى ستمد الدولة بها طرق العمران وذلك بأبخس الأثمان وباعتبارها أراضى زراعية أو صحراوية وهى تعرف أن قيمتها ستتضاعف عشرات أو مئات المرات بعد البدء فى المشروع محل المناقشة. المرأة لن تجرؤ على أن تشرع قوانين على مقاس أعمالها مثل الإعفاءات الضريبية أو امتيازات لصناعات مدمرة للبيئة وموارد الأجيال القادمة لأنها تمتلك مصنعا أو تعمل لحساب من يمتلك مصنعا أو تسرع بالمشاركة مع من يمتلك مصنعا أو السماح باستيراد منتجات من شأنها تدمير الصناعة المحلية، وغير ذلك مما لا يحصى من تجارب فساد. إلى أن تتمرن المرأة على الفساد تكون الدولة المصرية تعافت وقواعد الشفافية والمحاسبة رسخت، لذا فالبرلمان بحاجة إلى المرأة.