لم تسمع ما قلته لك وأنت فى قصر السلطان، امتطيت الحق فأناخ براكبه، ووطئت العدل فأخرست لسانه، ودهست الرحمة فشُلت سواعدها، عزلوك خلف أسوارهم عن الرعية فلم تسمع ولم تستجب وظلمونا بك، وعزلناك خلف أسوارنا فسمعت ولم تستجب وظلمونا لك. أجزت لهم القتل بسلاح السلطان وأنت فى الحكم، وأجزت لهم القتل بسلاح الكلمة وأنت خارجه، فالكلمة إذا رفعت سيفا تقتل، وإذا رسمت صورة دم فهو الدم، وإذا رسمت غصن الزيتون فهو سلام النفس. السلطان إذا أجاز القتل فالقاتل كالمقتول مظلوماً، والشيخ إذا أفتى بالقتل فالقاتل كالمقتول بريئاً، والحيرة أن السلطان والشيخ قد أجازا وأفتيا بالقتل فكنا فى عهدك يرضى القتيلُ بالقتل ولا يرضى القاتلُ، ونصبر على البلاء ولا يصبر على صبرنا الظالم.. ونرضى بالهم وليس يرضى الفاعلُ. قل لى.. من حفر وأهال على العدل تراب الحفر، من نصَب السجان القاضى والجلاد، من حبس الأنفاس وكتم البوح، وأقام من القهر جداراً يُعبد، وأزاح الحب من الطرقات، من أعطى للأحمق مفتاح العيش، من أعطى السُفهاء ملح الجرح، إلا إن كان السلطان كبير الحمقى والسفهاء. قل لى.. إن سرق الابن، وشرب الخمر، وداس كتاب العلم، وأهان وسب كبير العمر، ورآه الأب ولم يحزن أتراه يعُف اليد عن القتل، فوريث الذنب بلا ذنب، ووريث العدل بلا فضل، حتى الأطيان تُباع لسُكرٍ أو عُهرٍ، إلا إن كانت من أصلٍ طيب، فوريث الطيب ممتد، ووريث القهر إلى العُهر. قل لى.. من صنع الموت، من صنع العلة والداء، فالصانع مسئولُ والراعى مسئول، والسيفُ القاتلُ عنوان السياف. قل لى.. من يدفع ثمن الموتى، وخراب العمر، ودموع الأطفال، من يغسل دماء القتلى فى الطرقات، من لملم أشلاء الشهداء من يقرأ فاتحة كتابك للأموات، من يوقف سيل السب، ويحصدُ نبت الكره، ويثبت كفر التائب قبل الإيمان. أقول لك.. أنت صنعت الموت، ونسجت الخوف، وسكبت دموع التمساح كى تلحق ركب الرهبان، وخلعت رداءً ولبست لباس الفرسان، لكن السيف أطاح برأس الثور الأسود والأحمر ويلام الثور الهارب إن هرب، فعشاؤك قبل النوم ينقصه لحم الثيران. تعلم واسمع.. سلطان الحق أمام الله مشدودُ موثوق، ولسانك ينطق بالحق إن شاء الكذب فلن يصدق، وسيف القتلِ أمام الله بلا قاتل فالقاتل أنت.. أرأيت الابن العاق رداء أبيه يلبسه للقتل، فالأب وريث الابن فى القتل أمام الله. أنصحك.. تُعيد صيامك وصلاتك عن عمر فات، وتعلم أبناءك أن الحب عنوان الله على الأرض، وسلامه عهد للإنسان، والأمن ميثاق الله، والعدل أساس الملك، والحق زينته للأكوان، والخير نعمته لكل دواب الأرض ومنها الإنسان.