سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«جابر» كلما تنفذ ذخيرته.. ينزل من البرج لإحضار أخرى.. ومواصلة «المهمة» والده: بحثت عنه فى كل مكان لمدة 4 أشهر.. وأتمنى القصاص من الخونة الجبناء الذين حرمونى منه
أشهر طويلة قضتها الأم تبكى على ولدها، وحين جفت دموعها، حلّ ظلام دامس لم ترَ بعده شيئا، لتفقد أم الشهيد أحمد جابر بصرها وكأنها ترفض أن ترى شيئا فى الدنيا بعده. الأم المكلومة تروى تفاصيل اليوم الأخير الذى رأت فيه ابنها قائلة: ذهب لزيارة كل أصدقائه وأقاربنا قبل أن يعود لخدمته فى سجن أبوزعبل، وقبل أن يسافر قال لى إنه سيترك تليفونه المحمول معى لأنه لن يحتاجه، لكننى صممت على أن يأخذه معه وقلت له أنا التى أحتاج أن تأخذه معك لأطمئن عليك، فأجابنى: «ما تقلقيش عليا يا أمى وعاوزك تطمنى عليا أوى، حتى لو حصلى حاجة»، ثم قبّلنى وطلب من أخته الكبيرة أن تعتنى بى. يقول والده: يوم 28 يناير شعرت بألم شديد فى بطنى وكأن نيرانا اشتعلت به، وبعدها بساعة فوجئت بأحد زملائه يطرق الباب، وحين فتحت له وجدته يقول لى: «أحمد مات وهو بيدافع عن السجن»، نظرت إليه بغضب وقلت له: لا تقُل هذه الكلمات، من المؤكد أنك مخطئ فى ما تقول، فلم أكن يوماً أتخيل أننى سأعيش لليوم الذى أفقد فيه أحمد؛ فقد كان بالنسبة لى أخا وصديقا قبل أن يكون ابنا، هرعت بعدها إلى سجن أبوزعبل، لأجد المبنى قد تحول إلى حطام والدماء فى كل مكان، سألت عنه كل من قابلتهم لكن دون جدوى. يتابع: «قال لى قادته إنهم آخر مرة رأوه كان معتلياً برج التأمين لمواجهة مقتحمى السجن، وإن زملاءه حاولوا إقناعه بالنزول، لكنه وزميله (رضا) رفضا بشكل قاطع واستمرا فى إطلاق الرصاص، لدرجة أن ذخيرتهما كانت تنفد فينزلان من على البرج ليُحضرا غيرها». يتذكر الأب معاناته، يقول: استمرت رحلة بحثى عنه لمدة 4 أشهر، تارة يقولون لى «يمكن تايه»، وتارة أخرى يقولون «يمكن مصاب ومش عارف يكلمكم»، أما عمّا كان يقوله لى قلبى فهو أنه قُتل على يد هؤلاء الخونة، وحين ذهبت إلى مصلحة السجون اقترح علىّ أحد المسئولين هناك أن أعود إلى مستشفى شبين القناطر مرة أخرى وأسأل عنه كل الموجودين هناك، وبالفعل ذهبت هناك وعلمت أنه جاء مصاباً إلى المستشفى وتوفى وجرى دفنه فى مدافن الصدقة مع زميله رضا، فأخرجنا الجثة لإجراء تحليل «دى إن ايه» وتأكدنا من أنه هو، وكنت أنوى أن أنقلها إلى مدافننا فى المنيا، لكن صاحب المقبرة قال لى: «كلها أرض الله ما تبهدلهوش أكتر من كده وسيبه يستريح فى تربته وتعالى زوره فى أى وقت». يحاول الأب أن يدارى دموعا تتساقط من عينيه، يضيف: «قلت أسيبه يستريح زى ما كان مريحنى طول عمرى، ربنا يرحمه ويقتص من القتلة اللى حرمونا منه، لأنهم مش قتلة بس لكن جبناء كمان، أما ابنى فاستشهد وهو يحتضن بندقيته وبيدافع عن بلده».